الحريق الذي التهم كاتدرائية "نوتردام دي باري" عام 2019 (غيتي) ثقافة و فنون الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق by admin 18 ديسمبر، 2024 written by admin 18 ديسمبر، 2024 12 “نوتردام دي باري” من فكتور هوغو إلى رولان بيتي مروراً بموريس جار المهزوم في القمة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ الحريق الكبير الذي دمر أجزاء كبيرة من كاتدرائية “نوتر دام دي باري” قبل أقل من نصف دزينة من السنوات، وصولاً إلى الاحتفالات الضخمة التي شهدتها قبل أيام هذه الكاتدرائية التي تعتبر الأشهر في العالم، الاحتفالات التي كانت أول مناسبة عالمية تخرج الرئيس الأميركي المنتخب لولاية جديدة، دونالد ترمب، من بلاده قبل عودته إلى البيت الأبيض وربما توصله أيضاً إلى تصالح مع فرنسا في عهده الجديد. إذاً منذ الحريق حتى الاحتفال، لم تتوقف هذه الكنيسة التي تعتبر صرحاً معمارياً كبيراً بقدر ما هي معبد ديني، عن أن تكون مالئة الدنيا وشاغلة الناس أولاً بسبب الحريق نفسه، ثم بفضل سنوات إعادة العمران وما ارتبط بها من نشاطات إبداعية وأرقام قياسية وسباق مع الزمن، وأخيراً من تلاق بين الفن الكبير والإيمان. وحسبنا أن نشير، إلى أن ما يزيد على مئة كتاب وكاتالوغ وأعداد خاصة من مجلات فنية ومتخصصة وما إلى ذلك، راحت تصدر كل عام منذ الحريق، ناهيك عن صدور الطبعات الجديدة والترجمات الأكثر جدة لعدد كبير من الروايات والكتب العلمية والتاريخية القديمة، وبخاصة رواية فكتور هوغو الحاملة اسم الكاتدرائية نفسها كعنوان لها، بصرف النظر عما إذا كانت الكاتدرائية نفسها أو لم تكن موضوعاً لتحفة الكاتب الفرنسي الكبير هذه. باختصار كان اسم الصرح المعماري القروسطي كافياً على ضوء النيران التي التهمته ولو جزئية لعودة الكاتدرائية إلى الحياة. من تقديم لباليه “نوتر دام دي باري” (موقع قصر الأوبرا والباليه) في ركاب الأخبار الحزينة لكن رواية هوغو لم تعد وحدها بل عادت في ركبها أعمال فنية كثيرة، ارتبطت بها على مدى تاريخها وذلك في سلسلة تضم عدداً كبيراً من الأفلام الروائية، بخاصة التي عرفت تحت مطرقة الإعلام وأخبار الدمار الحزينة كيف تشق طريقها إلى الشاشات الكبيرة والصغيرة، بل إلى خشبات المسارح ومعارض اللوحات. وكل هذا كما أشرنا ربما يكون الرد الطبيعي والمنتظر منذ ذلك المساء الذي أضيئت فيه سماء باريس والنيران تشتعل والطائرات تعلن عجزها عن التحليق في سماء المنطقة على ضفة السين وسط باريس، على مبعدة عشرات الأمتار عن مسجد باريس ومبنى معهد العالم العربي، وصولاً إلى ذلك المساء الأقرب إلينا والذي أضيئت فيه سماء المنطقة نفسها معلنة في احتفالٍ توافق فيه المؤمنون والعلمانيون ومن هم بين بين، بأن الكاتدرائية قد عادت إلى الحياة وعلى الأقل كصرح سياحي سيحقق خلال السنوات المقبلة أرقاماً قياسية جديدة في عدد الزائرين. وكالعادة هنا لم تتخلف التلفزة عن الركب من ناحية عبر متابعتها عن كثب للحريق، ومن ناحية ثانية عن تغطيتها المبهرة لاحتفالات العودة. ولكن من ناحية ثالثة لا تقل أهمية بالتأكيد، عبر كونها المنصة التي مكّنت كل ما ذكرنا أعلاه أن يكون ممكناً. وبخاصة عبر استعادة كل تلك الأعمال التي ارتبطت بـ “نوتر دام دي باري” بشكل أو بآخر. الرقص على أنغام التاريخ مهما يكن من أمر، قد يكون في الإمكان هنا التوقف عند عمل فني مرتبط بالكاتدرائية وتاريخها وكاتبها الأكبر، عرفت التلفزة الفرنسية كيف تنبشه من حيث لم يكن أحد يتوقع، لتبثه على واحدة من شاشاتها الأكثر ذكاء من دون أن تكون له أية شهرة أو حتى أية تراتبية لا في تاريخ هذا الصرح نفسه ولا في تاريخ فكتور هوغو ولا حتى في تاريخ الفن الذي ينتمي إليه: فن الباليه بالتحديد. فالعمل الفني الذي بثته القناة الفرنسية الخامسة ويحمل بالتحديد اسم الكاتدرائية والرواية والحدث الكبير نفسه، أي الاحتفال العالمي الصاخب بعودة الصرح إلى الحياة، هذا العمل ينطلق طوال ثمانين دقيقة لا تهدأ حركة الرقص الفردي والجماعي فيها ولو لثانية، هو ترجمة يقوم بها فن الرقص في أجمل ما يمكن لإعادة الكلاسيكية أن تقدم. إنما هو عمل راقص وعمل موسيقي قد يمكننا أن نقول اليوم إنه ظُلم طوال تاريخه وهو تاريخ لا بد من الإشارة منذ الآن، إلى أنه طويل. وحين نقول “طويل” هنا فإننا نتحدث عن ستين عاماً مضت على تقديمه للمرة الأولى في عام 1965، حين صممه وأخرجه من سيسمى بفضله وبفضل أعمال له على شاكلته سيد الباليه الفرنسي المعاصر، رولان بيتي ولكن انطلاقاً من موسيقى وضعها موريس جار. وربما هنا بالتحديد تكمن اللعنة التي حلت على هذا العمل الكبير والتي ستجعل النعمة لن تحل بديلة عنها… إلا بفضل النيران المحزنة، حيث بفضل تلك النيران ومن دون أن يبقى أثر من تلك اللعنة القديمة، استعاد هذا العمل الموسيقي الأدبي التاريخي الراقص مكانته اليوم. ولكن لماذا ترانا نشير إلى “اللعنة” التي كأنها تعاون بيتي مع موريس جار هنا؟ بالتحديد. لأن جار كان أوائل سنوات الستين من القرن الفائت في قمة مجده، من خلال الموسيقى التي وضعها لثلاثة أفلام سينمائية من إخراج الإنجليزي دافيد لين، وراحت جمل من تلك الأفلام الثلاثة تتردد على شفاه وألسنة الملايين حول العالم، والآن لا بد من أن نذكر أن تلك الأفلام كانت تباعاً: “جسر على نهر كواي” و”لورانس العرب” والدكتور جيفاغو”. وهي كما نعرف كانت أفلاماً حققت فيها الموسيقى نجاحاً كبيراً أوصل اسم موريس جار إلى أربع زوايا الدنيا. لكنه أبعده عن… فرنسا. أعيد افتتاح كاتدرائية نوتردام دي باري بعد أن دمر الحريق جزءاً كبيراً منها (أ ف ب) شوفينية عادية ولكن لماذا أبعده عنها؟ ببساطة لأننا هنا حتى وإن كنا أمام نجاح فرنسي عالمي، كان من المفترض به أن يكرس مكانة كبيرة لهذا البلد في عالم موسيقى الأفلام، أنكر الفرنسيون من أهل المهنة كما من الكتاب ومن غلاة المتعصبين لكل ما هو فرنسي، على جار أن يكون ممثلهم في العالم، على صعيد الموسيقى السينمائية، مفضلين عليه موسيقيَين كبيرَين آخرين من فرنسا، هما ميشال ليغران (الذي اشتهر يومها بالموسيقى الجميلة التي وضعها لمظلات شيربورغ تحفة جاك ديمي الخالدة) وفرانسيس لي (صاحب موسيقى فيلم “رجل وامرأة” الذي حقق لكلود لولوش انتصارات كبيرة يوم فاز بسعفة مهرجان كان الذهبية). كان هذان الانتصاران كافيين للذهنية الفرنسية العامة، والتي لم تنظر بعين التعاطف إلى غوص موريس جار في أجواء موسيقى الحرب في ربوع آسيا في “نهر كواي” أو موسيقى تليق بالصحارى العربية مع لورانس ولا طبعاً بأنغام السهوب الروسية مع جيفاغو. ومن هنا لم يبد رولان بيتي ومنتجوه موفقين بالاستعانة بموريس جار الكوزموبوليتي، لكتابة باليه فرنسي بل باريسي خالص. ومن هنا وضع باليه “نوتر دام دي باري” على رف النسيان بعد عروض أولى خجولة. وهو ظل على الرف منذ ربيع 1965 حين قدم وسط ضجيج كبير، سرعان ما خبا، حتى ربيع عام 2021 حين أُيقظ من سباته ليتقدم ضمن إطار “النهوض الفني” الذي أعقب الحريق الكبير وقدم بنفس كوريوغرافيا رولان بيتي وبنفس موسيقى موريس جار، على خشبة أوبرا باريس الوطنية. وهذا التقديم من بطولة أماندين أليسون وفلوريان مانييني، هو الذي صورته التلفزة الفرنسية حينها لتقدمه قبل أيام فيكون السؤال: كيف لم يقيض لنا أن نرى هذا العمل ونسمع هذه الموسيقى الرائعة و”الشديدة الفرنسية” من قبل؟ وطبعاً لن نتوقف هنا لنجيب على هذا السؤال. فقط نقول إن أموراً كثيرة قد تبدلت بين سنوات الستين وعشرينيات القرن الذي نعيش فيه اليوم. فلئن كان الغاضبون قد ركزوا في الماضي على موريس جار و”خياناته” غير مبالين بالعدد الوازن لمن شاركوا في ذلك العمل حينها، مشددين على طابعه الفرنسي الخالص ولم يكونوا يعرفونهم حقاً، فإنهم لا يمكنهم أن يمروا اليوم مرور الكرام على أصحاب تلك الأسماء التي تفاهم لمعانها خلال العقود الفاصلة بين الزمنين، من سان لوران في تصميم الملابس وتنفيذها إلى رينيه إليو في التصميم المسرحي والديكورات، وصولاً طبعاً إلى رولان بيتي الذي اشتغل على كتابة سيناريو الباليه واشتغل على إخراجه المسرحي بحس رائع من جنون فني سوف يعرف به من خلال أعماله اللاحقة. المزيد عن: نوتردامفرنساباريسحريقباليهفيكتور هوغو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها next post متى يكون النسيان مقلقاً؟ طبيب يجيب You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024 فيصل دراج يكتب سيرة الذات والجماعة في “كأن... 17 ديسمبر، 2024 ما الذي بقي من إرث المسلمين الأفارقة في... 17 ديسمبر، 2024 “الطاولة السوداء”: حوار الألوان والتناقض في رؤية ماتيس 17 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024 الشاعر المغربي جواد الهشومي يكتب صرخة جيل الشباب 16 ديسمبر، 2024 مؤسس العمران الغربي الحديث يكشف عن فضل معلمه... 16 ديسمبر، 2024 رقصة رافيل الأندلسية… دقائق شيطانية تعادل الزمن 16 ديسمبر، 2024