سالي روني تخاطب جيل الشباب (صفحة الكاتبة - فيسبوك) ثقافة و فنون الإيرلندية سالي روني تواجه جويس من خلف الستار by admin 7 أكتوبر، 2024 written by admin 7 أكتوبر، 2024 69 “فاصل زمني” رواية الجيل العالمي الجديد بتناقضاته الوجودية اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز ارتبط ظهور الكاتبة الإيرلندية سالي روني بألوان من الدعاية الطريفة مثل حقائب اليد الأنيقة والقبعات المزينة بعناوين أو أغلفة أعمالها التي تصدرت قوائم الأكثر مبيعاً، لتكشف عن الرواج الهائل لتلك الكتابة بين جيل “سناب شات”، لدرجة أن بعض النقاد أطلق عليها لقب “سالينجر”. ولا غرو في ذلك، فقد حققت روني نجاحاً مذهلاً منذ نشر روايتها الأولى “أحاديث الأصدقاء” عام 2017، التي تناولت اضطراب جيلها من الشباب في ظل الرأسمالية المتأخرة، وهذا ما دفع كثراً إلى اعتبارها المتحدثة الرسمية عن هذا الجيل. وبقدر ما جلبت عليها هذه الألقاب كماً هائلاً من الاستهجان، دفعت بكثير من الكتاب إلى الإشادة بعملها، ومنهم الكاتبة المعروفة زادي سميث التي أعربت عن دهشتها قائلة: “لا يمكنك أن تصدق أنها رواية أولى!” وهو ما ترسخ مع صدور أعمالها اللاحقة “أناس عاديون” 2018، و”أيها العالم الجميل، أين أنت؟” 2021. كلتا الروايتين ترجمت إلى العربية عقب ترشحها في قائمة البوكر الطويلة، الأولى عن “المركز الثقافي العربي” بترجمة مصطفى بنعمي، والثانية عن دار الآداب بترجمة أحمد جمال سعد الدين. مع صدور روايتها الجديدة “فاصل زمني” (Intermezzo) عن دار “فارار وشتراوس وجيرو”، اكتظت المكتبات بحشود من المعجبين من جيل الألفية التي جسدت روني همومهم العاطفية ببراعة منقطعة النظير. فضلاً عن الدعاية الذكية من قبيل “جديد سالي روني”، “كاتبة الجيل”، حتى إن بعض المتاجر فتحت أبوابها في منتصف الليل لتمكنهم من الحصول على نسختهم قبل نفاد الكمية. تناقضات في إطار النوع رواية سالي روني الجديدة (امازون) تدور أعمال روني في أجواء في غاية العادية، كما نستدل من العناوين. أمر كهذا يجعل من الصعب تلخيصها في سطور، بفرض أنها لن تسهم إلا في تشويه الحبكة، لكن تلك الحكايات العادية عن الحب والكره والغيرة، وكل تمثلات التواصل المختلفة في زمن يفتقر إلى المعنى، تجعلها تبدو مألوفة جداً لدى قرائها الذين لا تبتعد تفاصيل حياتهم كثيراً عما ترويه روني، سواء بالاستفادة من تيار الوعي أم بالخروج عليه، لا سيما في روايتها الجديدة (تقع في 448 صفحة)، وتراوح فيها بين الخضوع للأسلوب الجويسي في استكناه الذات، والتمرد عليه بتحطيمه تماماً، وابتكار تيار خاص. إلى جانب هذه المراوحة، تطرح روني تناقضاً آخر من خلال الشخصيات التي جلبتها جاهزة من أعمالها السابقة لتضعها في سياق جديد، في محاولة لتجسيد جيل مذبذب عاطفياً بحكم نشأته على خلفية الاضطرابات الاقتصادية والسياسية. تركز الرواية في مجملها على العلاقة المعقدة بين الشقيقين، بيتر وإيفان، مبرزة طبيعة التناقض بينهما، على رغم وحدة النشأة والظروف المحيطة. فبينما يمتهن بيتر (32 سنة) المحاماة ويتمتع بصفات المحامي الماهر، كما يتبدى في عنايته المفرطة بمظهره، وذكائه الاجتماعي وانفتاحه على الجميع، مصدراً ابتسامة ودودة للعالم بأسره، على شاكلة ابتسامة ترومان شو للنجم جيم كاري، ينخرط إيفان الذي يصغره بعقد كامل في مسابقات الشطرنج ويظهر بشخصية الانطوائي الخجول الذي لا يزال يضع تقويماً لأسنانه من السيراميك، مبدياً عجزاً وحرجاً شديداً في التفاعل مع الآخرين. الروائية الإيرلندية سالي روني (صفحة الكاتبة – فيسبوك) نلتقي الشقيقين عقب موت الأب بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وهو الحدث الرئيس الذي يقلب حياتهما رأساً على عقب، مما يستدعي فاصلاً زمنياً لالتقاط الأنفاس واختبار المصائر، كما نستشف من العنوان “إنترميتسو” الذي يشير في الشطرنج إلى التوقف عن اللعب بغرض التفكير في موقف معين على الرقعة، وتقييم الخيارات المتاحة قبل اتخاذ القرار النهائي. في أعمالها السابقة، ركزت روني على الحب بين الرجل والمرأة، مستفيضة في التفاصيل الدقيقة للوقوع فيه أو الخروج منه. ومع أن روايتها الجديدة تنصب أيضاً على الحب، فإن زاوية الرؤية تتسع لتشمل العلاقات الأسرية على نحو يؤكد انتقالها هي وشخصياتها إلى مرحلة أكثر نضجاً، تمكنت فيها من سبر أغوار الرجال، على نقيض ما ذهبت إليه كاتبة بحجم فرجينيا وولف التي وجدت في اختلاف النوع والسن سبباً كافياً لعدم التمكن من الغوص في أعماق بطلها كما تصرح في روايتها الثالثة “غرفة يعقوب”. الحب في زمن الكوليرا توظف روني التناقض لدراسة أهم السمات البشرية المزعزعة لكينونتنا وتقلبنا الممض بين القرارين: نعم ولا. ومع رغبتنا الأكيدة لقول لا، فإن شروط بقائنا المرتبطة بالدخل والسكن والوظيفة، تفرض علينا أن نقول نعم، لهذا تلقب روني أيضاً بـ”الروائية الماركسية”. في أعقاب وفاة الأب يجد بيتر نفسه مستسلماً لأدوية النوم والمهدئات فيتمزق إرباً بين مشاعره تجاه امرأتين، ناعومي الفتاة الجامعية المتحررة التي ترى الحياة مجرد مزحة وتمنحه جسدها بسخاء، وحبه الأول لسيلفيا حتى بعد تعرضها لحادثة سيارة أفضت إلى عجزها عن مشاركته الفراش. في جانب آخر، يقع إيفان في حب مارغريت التي تكبره في السن بعد أسابيع من وفاة والده، وتتشابك حياتهما بسرعة، وهو ما يدفعه إلى تبديل نظرته إلى المرأة بوصفها كائناً شريراً، تختلق دوماً الأكاذيب عن تعرضها للاغتصاب. وتحثه هذه العلاقة على استئناف تقدمه في مسابقات الشطرنج التي توقف تماماً عن ممارستها، بسبب مرض والده ثم وفاته، وها هو يطمح في الحصول على ثاني أعلى لقب في الشطرنج “أستاذ دولي”. تعودت روني أن تنسج عوالمها الروائية من رجال يحتاجون إلى العطاء، كما الحال مع بيتر الذي يوفر لسيليفيا الرعاية الطبية والنفسية، كما يوفر لناعومي متطلبات جسدها الملحة التي تصل إلى حد التوسل إليه لممارسة الجنس والتعامل مع جسدها كيفما يشاء، مع إدراكه التام كونها لا تناسبه في أي شكل من الأشكال، ونساء في حاجة إلى الأخذ. وقد تعودت أن تجعل من إذعان الجميع وامتثالهم لتأدية الأدوار مشروطاً بظروف حياتهم في عالم متقلب، بحيث يقبل الرجال حاجتهم إلى منح الحب، وتقبل النساء حاجتهن إلى تلقيه. في الإطار نفسه، نجد الحب الرومانسي لديها قد تطور ليغطي أشكال الحب كافة بين البشر، وبينهم وبين محيطهم من ناحية أخرى، فهناك مساحة من تلك العاطفة بين مارغريت وصديقتها المقربة، وهما تتبادلان مشاعرهما حول أميهما في الحانة، وكذلك بين بيتر ووالدته المترملة، وبين إيفان وكلبه حين ينجح في استعادة حضانته. علاوة على تلك العلاقات تتطرق روني إلى عديد من الأسئلة الشائكة، لعل أهمها ما يدور حول البارئ. يعتقد إيفان أنه يستطيع العثور على البارئ عندما يلعب الشطرنج في شكل جيد حقاً: “يبدو الأمر وكأن النظام عميق للغاية، وجميل للغاية، أشعر أنه لا بد أن يكون هناك شيء يكمن تحت كل هذا”. وهو ما يختلف تماماً عن نظرة بيتر للحب التي تكشف عن غموض الطبيعة البشرية. تتضمن الرواية تعليقات حول قضايا ملحة مثل مشكلة الأجور، وأزمة السكن في دبلن، وسلطة المال، والدين، والألم المزمن الذي وقعت سيلفيا بين براثنه، هذا بخلاف الشطرنج ونظرية اللعب والقانون، وهلم جرا. إلى جانب ماركسية روني أثارت كتابتها سؤالاً جوهرياً حول طريقة كتابة رواية عن الإنترنت التي برعت في التقاط دينامياته في روايتها “محادثات الأصدقاء”، المروية بأكملها عبر رسائل البريد الإلكتروني بين صديقتين. ويتناثر العالم الرقمي عبر أعمالها في صورة فريدة، مما يجعلها روايات رقمية من دون قصد. لقد استحضر وعيها بوسائل التواصل الاجتماعي، على رغم حرصها على عدم إنشاء صفحات شخصية، صورة روني المتربصة في مكان ما لرصد كل تحركاتنا الافتراضية من دون حاجة منها إلى المشاركة في حفلة التفاهة. المزيد عن: روائيةإيرلنداجيل الشبابالصوت الحرالجرأةجيمس جويسفيرجينيا وولفالأكثر رواجاً 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ويليام بويد: “عوليس” النهاية المثالية للأدب الروائي next post البصمة البيومترية تشعل الجدل في الكويت You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024