ثقافة و فنونعربي الإسباني خابيير مارياس يحول ليلة حب أولى إلى كارثة by admin 12 يناير، 2021 written by admin 12 يناير، 2021 50 “فكّر فيّ غداً أثناء المعركة” رواية المأزق الوجودي الذي سببه موت مارتا في ظلام مدريد اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil يزداد حضور الأدب الإسباني المترجم المعاصر والحديث في المكتبة العربية ويجد القراء العرب فرصة للاطلاع عليه رواية وشعراً. والجديد، رواية عنوانها “فكّر فيّ غداً أثناء المعركة” للروائي والقاص الإسباني خابيير مارياس بترجمة علي إبراهيم الأشقر (دار المتوسط). يُعتبر مارياس المولود في مدريد العامَ 1951، من أبرز الروائيين الإسبان المعاصرين، فقد طُبعت روايته هذه أكثر من خمس طبعات ونُقلت إلى لغات متعددة مع غيرها من أعماله، وقد قال فيه أورهان باموق إنه واحد من الكتاب الذين يجب أن يحصلوا على جائزة نوبل. لا يتوقع قارئ مارياس أن ينهمك منذ السطر الأول بحادثة وفاة مارتا، الشخصية المحور، بصورة مفاجئة وغير مرتقبة وفي وضعية لا تُحسد عليها: “لا يفكر أحد قط في أنه قد يجد نفسه وامرأة ميتة بين ذراعيه، وأنه لن يرى وجهها، وإنما سيذكر اسمها…” (ص: 7). فيحكم الكاتب مارياس على الراوي فيكتور، بالارتباك والاضطراب والهلع منذ السطر الأول، بحنكة سردية ولغة دقيقة قادرة على الوصف والتفنيد والدخول في ثنايا النفس البشرية. الواقع بحذافيره يقول إدوارد سعيد في مؤلفه النقدي “العالم والنص والناقد” (دار الآداب، 2017): “أنا أرى أن النصوص تنتمي إلى العالم، وهي، إلى حد ما، أحداث، وتشكل جزءاً من العالم الاجتماعي، من الحياة الإنسانية، من اللحظات التاريخية التي تقع هذه الأحداث ضمنها، ويجري تفسيرها فيها حتى عندما يبدو أنها تنكر ذلك” (ص: 35). وهذا تماماً ما يقع عليه القارئ في نص “فكّر فيّ غداً أثناء المعركة”، فهو يواجه مع راوي مارياس حدثاً ينتمي إلى العالم والمجتمع وتنتج منه تساؤلات وجودية قد يسألها أي شخص وُضِع في موقف مماثل، ليتحوّل هذا النص السردي إلى انعكاس واضح ودقيق لخواطر النفس البشرية وأفكارها والتيارات التي تتجاذبها. فتحضر موضوعات الموت والذعر والتلاشي وعبثية القدر بوضوح وقوة طيلة السرد. وقد عُرف الكاتب الروسي دوستويفسكي (1821-1881) تاريخياً بقدرته السردية الهائلة على الدخول في تفاصيل النفس البشرية والصراعات الداخلية التي تخوضها جراء ما يحيط بها من أحداث ووقائع، فأتى نص مارياس ليكون صدى معاصراً لهذا الأسلوب من الكتابة التحليلية النفسية التي تتناول حدثاً واحداً وحيداً ثم تسبر أغوار الراوي إزاءه وتتابع حالة نفسية متوترة ودقيقة ومحددة يعيشها، فتنقل تطورها وتغيرها مع مرور الساعات والأيام. الرواية الإسبانية المترجمة (منشورات المتوسط) تدور أحداث هذه الرواية التي أُخِذ عنوانها من مسرحية شكسبير “ريتشارد الثالث” (1593)، في مدريد. وتبدأ الأمور كلها بالتدهور منذ البداية عندما تشعر مارتا بوعكة صحية تؤدي إلى موتها، بوجود فيكتور قربها. وفيكتور هو الراوي الذي استغلت مارتا سفر زوجها إلى لندن لتدعوه إلى منزلها. فكيف يتصرف هذا الراوي المسكين عندما تموت مارتا بين يديه؟ هل يتصل بزوجها في لندن؟ هل ينادي أحد الجيران؟ هل يتصل بالإسعاف؟ وماذا يفعل بابنها البالغ من العمر أقل من عامين والنائم في الغرفة المجاورة؟ هل يتركه؟ هل يأخذه معه؟ هل يوقظه؟ وكيف يبرّر وجوده مع مارتا بعد منتصف الليل؟ كيف يتعامل مع ما وقع؟ هل يهرب؟ هل يختفي؟ ما هي مسؤوليته في ما حصل؟ أسئلة كثيرة ومربكة إنما مشروعة لأي شخص يواجه موقفاً مماثلاً على أرض الواقع. لا يستغرب القارئ خيار الكاتب عنوان روايته الذي تواتر ما لا يقل عن ثلاث مرات في النص (ص: 31؛ 35؛ 60؛…)، فقد تحوّلت ليلة الحب الموعودة مع مارتا إلى معركة مع القدر، تحوّل العشيق المفترض إلى جندي شاهد على حادثة وفاة، وصارت قصة الرغبة بين شخصين معركة إنسانية بين الصواب والخطأ. تحوّلت الليلة الموعودة مع مارتا إلى مأزق إنساني وجودي مشؤوم ودوامة قلق وتوتر واضطراب، فيخصص الكاتب أكثر من مئة صفحة من سرده الممتد على ثلاثمئة وثمانين صفحة تقريباً، ليصف ليلة وفاة مارتا وحدها وتخبّط الراوي الإنساني إزاء ما وقع. التلاشي لا مفر منه يطرق مارياس في روايته موضوعات الموت والتلاشي وعبثية الوجود الزائل، أفكار يخلّفها موت مارتا المفاجئ في الراوي، فتكثر العبارات الدالة على الرحيل والنسيان والتهافت، كما تكثر الجمل التي تذكّر بهشاشة الحالة الإنسانية والحياة التي يتعلق بها الإنسان بكل قوته بينما في الواقع يكتشف أن الموت متربص به من النواحي كلها: “كل شيء يسير نحو تلاشيه ويضيع، وقليل من الأشياء يخلّف أثراً” (ص: 26). تتحول حادثة وفاة مارتا المفاجئة والعبثية إلى محرك لأفكار وتعليقات وتأملات يتأرجح فيكتور على حبالها: “كل شيء يُنسى ويسقط بالتقادم،… وما أقل ما يبقى من كل فرد، وما أقل ما له ديمومة وثبات!” (ص: 67). ويراقب القارئ الراوي فيكتور يتخبط داخلياً بين أفكار تتنازعه ليلة وفاة مارتا، ثم يراه ينجذب مجدداً إلى بيت مارتا وعائلتها وزوجها ليرى ما خلفته فيهم ليلة وفاتها من آثار وجراح. ينجذب إلى حياة مارتا بعد رحيلها ليرى ماذا بقي منها، ماذا عُرِف عن ظروف ليلتها الأخيرة ولحظاتها الأخيرة، ماذا اكتشف أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أقرب الناس إليها عن كلماتها الأخيرة. فتبدأ دوامة أفكار ومشاعر لتكون الجملة الفعلية المفتاح لهذه الرواية: “ما أقل ما يبقى من كل فرد” (ص: 101). ما أقل ما بقي من مارتا، ما أقل ما عُرف عن تلك المرأة! رحلت مارتا ذات ليلة بين ذراعيّ “لا أحد”، بين ذراعيّ رجل غريب، رجل لم يستطع فضح هويته ولم يستطع أن ينقذها ولم يستطع منع تهافتها، رجل حتّمت الظروف أن يكون معها لحظة موتها، ليتحوّل فجأة من مشروع عشيق سري إلى دخيل متطفّل لم يكن من المفترض أن يكون متواجداً في البيت تلك الليلة. “فكّر فيّ غداً أثناء المعركة” رواية غير متوقعة ومشوّقة، إنما في الوقت نفسه رواية متعمّقة في النفس البشرية. رواية التفاصيل الوجودية والدواخل الإنسانية والهشاشة البشرية. يسلط مارياس الضوء على الجانب الآخر من الحياة، يسلط الضوء على الموت، على الضعف، على العجز. قد يتوهم الإنسان الغارق في واقعه أنه باق، لكن الموت لا يهمل أحداً، وهذا تماماً ما يذكّر به مارياس قارئه. يثير هذا الكاتب الإسباني وريث دوستويفسكي الرعب والتوتّر في أوصال قارئه بجذالة وهدوء ويذكّره بضعفه كما بهشاشة الوجود: إن الأمور كلها إلى زوال، المشاعر والوجوه والأحداث، كل ما يبدو مهماً اليوم سوف يمحوه الزمن، كل ما هو مهيمن اليوم سيتهافت مع الزمن، و”كل شيء يبدو لنا ضئيلاً ما إن ينقضي” (ص: 70). المزيد عن: رواية/أدب إسباني/مدريد/رواية بوليسية/تشويق/سرد/عقدة روائية 2 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سعد البازعي يستنطق رهانات خمسة في نقد الشعر next post “سقراط” أو ذاك الذي لو لم يكن لاخترعناه You may also like جدلية العلاقة بين ابن رشد والأكويني رسمها فنانو... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 2 comments cool reminder 12 يناير، 2021 - 10:20 م Very rapidly this site will likely be famous amid all blog people, as a result of it’s nice posts my web blog cool reminder Reply 안전출장 13 يناير، 2021 - 12:41 ص Hey there, I think your blog might be having browser compatibility issues. When I look at your website in Chrome, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, fantastic blog! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.