آنا أخماتوفا (1889 – 1966): انتماء مزدوج (موسوعة الشعر الروسي) ثقافة و فنون احتجاج آنا أخماتوفا المدوي في “قداس”و”قصيدة دون أبطال” by admin 9 مارس، 2025 written by admin 9 مارس، 2025 45 للشاعرة الروسية جذور تتارية مسلمة وانتماء إلى قومية مزدوجة واضطهاد فردي وللعائلة في الزمن الستاليني اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لا شك في أن الشاعرة الروسية آنا أندرييفنا آخماتوفا (1889 – 1966) توفر لنا مثلاً إضافياً على تلك الوحدة الإنسانية والإبداعية التي تجعل من الروس والأوكرانيين شعباً واحداً، على خطى غوغول وشاغال وغيرهما من كبار المبدعين. ولعل ذلك يتجلى أكثر ما يتجلى من خلال أشعارها التي تنتمي إلى الحساسيتين معاً، وتصل إلى ذروتها من خلال تلك القمة التي شكلتها قصيدتاها الكبريان “قداس” و”قصيدة دون أبطال”، اللتان كانتا آخر ما صدر لها في حياتها. وهما لم تصدرا في موسكو على رغم أن نوعاً من التسامح الرسمي كان يغمرهما خلال تلك السنوات الأخيرة، ولكن في نيويورك وميونيخ. وهما قصيدتان نعرف أن الشاعرة الكبيرة صاغتهما خلال ما لا يقل عن ربع قرن، إذ بدأتهما خلال الحرب العالمية الثانية، وهي تعيش تحت الحصار النازي في لينينغراد، ودبجت آخر سطورهما قبل موتها بفترة يسيرة. وبالنسبة إلى الـ”القداس” الذي يعتبر عادة أشهر أعمالها ويتألف من مجموعة قطع كتبت بين 1939 و1957 ولن تطبع إلا في عام 1957 في ألمانيا وبالروسية تحديداً، تتناول مرحلة ضروب المنافي الجماعية الكبرى ثم المرحلة الجدانوفية، متوقفة بصورة خاصة عند النفي الذي تعرض له ابن الشاعرة. وتتخذ هذه القصيدة المتشعبة والطويلة سمة عمل متكامل في موضوعه يتكون من سبعة أجزاء تأتي على شكل تأبين جماعي يتألف من مقدمة وإهداء ومدخل، يليه قسم عنوانه “الحكم” وآخر “عند الموت” ثم “الصلب” و”فصل لاحق”، ويتموضع مكانه تحديداً عند بوابة السجن حيث تنتظر الشاعرة ابنها لتلمحه ولو بنظرة عابرة وهي ترزح “تحت قدر كبير من الألم يبدو كجبال منحنية عليها، أما في الداخل في السجون فالبراغي ضخمة”، بحيث تشكل هي في حد ذاتها سجناً مميتاً، “يحيط بزوج في الحفرة وبابن في الزنزانة”. أما الحكم فـ”أهون منه الموت”، بينما يصور “الصلب” عذاب أم تبدو من خلاله كحيوان جريح، “ألا فلتدمع الجفون البرونزية ساكنة جامدة فيما يهطل الجليد كدموع تتحجر”. في لينينغراد الصلبة أما بالنسبة إلى القصيدة الثانية، “قصيدة دون أبطال” التي انطلقت أخماتوفا تكتب سطورها الأولى الأساسية، وهي في لينينغراد معظم وقتها بين 1940 و1944، فإن الشاعرة تستعيد فيها تقسيماً مشابهاً لتقسيم القصيدة الأخرى، من مقدمة وثلاثة إهداءات وديباجة و”استراحة”، وصولاً إلى كتابة لاحقة تبدو هنا أشبه بفصل أخير في قطعة مسرحية. ويبدو من الواضح هنا أن الشاعرة تكتب قصيدتها متأثرة بلغة نيكراسوف (1821 – 1877) وأساليبه الشعرية هو الذي كان يعتبر من كبار المعبرين في نصوصه وقصائده عن الروح الروسية الخالدة الريفية والأورثوذوكسية في آلامها. واللافت في قصيدة آخماتوفا هذه ابتعادها المقصود من التعبير الفردي الذي يسم “قداس”، إذ لم يعد الزوج والابن البطلين الوحيدين هنا، بل يصبح ثمة وجود لعدد من أبطال آخرين لكل منهم دلالة في وجوده وعذاباته، من هاملت إلى كازانوفا ومن بطرس الأكبر إلى نهر النيفا وبحر البلطيق، حيث تعبر كلارا غازول وهي ترقص. ولكن الأهم من ذلك كله هو الشعب الروسي نفسه الذي نراه يناضل ضد النازيين في لنينغراد من خلال الأصدقاء الذين تهديهم آخماتوفا القصيدة مصورة مقتلهم في المدينة الشهيدة خلال الحصار النازي: “ها هي روسا وقد أحاق بها إرهاب قاتل، لكنها تعرف كيف تمهل وكيف سيكون انتقامها/ انتقاماً يتمثل في عيون منخفضة جافة وشفاه مغلقة بقوة على ذاتها”. ومثل هذا نصوص تتوالى فيما الشاعرة توضح لنا أن النصوص كتبت أمام قصر الفونتاكا في الحي السكني الذي يسقيه نهر الفونتاكا نفسه، القصر الذي عاشت فيه الشاعرة نفسها ردحاً من طفولتها في كنف عائلتها البورجوازية. ومن هنا يضحي النص ’قضية شخصية‘ مرة أخرى من خلال وصف الشاعرة لجمال القصر على رغم الدمار والموت المحيقين به، “تذكاراً من فترات القتال والهدوء المتداخلة”. مشهد من فيلم “الدارعة بوتمكين” على سلالم أوديسا (موقع الفيلم) ظلم فادح حين رحلت آنا اخماتوفا عن عالمنا يوم الخامس من مارس (آذار) 1966، هل كانت لا تزال تشعر بفداحة الظلم الذي أحاق بها، وأفسد عليها معظم سنوات حياتها كمبدعة وإنسانة، طوال حقبة طويلة من الحكم الستاليني في الاتحاد السوفياتي. أم أن التكريم الذي نالته خلال السنوات الأخيرة من حياتها كان كافياً للتعويض عليها، ولجعلها تنسى ذلك الظلم؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. مهما يكن فقد ولدت آنا اخماتوفا لعام 1889 لأب كان مهندساً في البحرية القيصرية، واسمها الأصلي غورولنكو، أما اسم اخماتوفا (وأصله أحمد) فاستعادته من جهتها التتارية المسلمة فرافقها طوال حياتها، ودفع كثيراً من قرائها العرب كي يعتقدونها مسلمة الأصل. وهي أمضت طفولتها وصباها بالقرب من بطرسبورغ قبل أن تلتحق بجامعة كييف ثم بجامعة سانت بطرسبرغ نفسها حيث درست الحقوق والآداب، هي التي اكتشفت الشعر باكراً، كما اكتشفت لذة السفر وهي بعد مراهقة فزارت إيطاليا وفرنسا، وفي فرنسا تعرفت إلى الرسام موديغلياني الذي خلد ملامحها في لوحات عدة، فقد معظمها خلال الحرب العالمية الثانية. وفي 1912 نشرت اخماتوفا مجموعتها الشعرية الأولى “المساء”، وأتبعتها بعد عامين بمجموعة “المسبحة”. ولقد أسهمت هاتان المجموعتان في التعريف بها في أوساط النخبة الثقافية الروسية الباحثة عن مسالك ومعان في تلك الأزمان الصاخبة. وقبل ذلك بفترة كانت آنا تزوجت من الشاعر غويليف أحد أقطاب النهضة الشعرية الروسية في ذلك الحين كما ارتبطت بالثنائي مندلشتام، ارتباطاً ستدفع ثمنه غالياً بعد ذلك خلال حقبة الإرهاب الستاليني. وهي مع هؤلاء أسست في ذلك الحين تياراً شعرياً تميز أسلوبه بالبساطة والوضوح كرد فعل على التيار الرمزي المعقد الذي كان، في ذلك الحين، سائداً في الشعر الروسي. وكانت المجموعة تنهل تعبيراتها من ارتباط جذري ببساطة الأرض الروسية وبالتقاليد الشعبية ذات العلاقة بالروحانية الأرثوذكسية. وهذا الارتباط كلف زوجها غوميليف غالياً عند قيام الثورة، إذ إن إصراره على الارتباط بالتقاليد الإيمانية وبالسلطة الملكية، دفع الثوار إلى إعدامه. زواج من مستشرق أما آنا فإنها ما لبثت أن تزوجت المستشرق شيليكو، ثم أصدرت مجموعة شعرية جديدة في 1923 حملت عنوان “العام المقدس” (1921)، وكانت آخر مجموعة تصدرها في ذلك الحين، إذ بسبب صداقتها للثنائي مندلشتام وبسبب مواقفها العنيفة، منع شعرها، ثم نفي ابنها، مما اضطرها إلى الإخلاد إلى ما يشبه الصمت المطبق طوال عشرات السنين لم تكتب خلالها أي قصائد كبيرة، بل اكتفت بدراسة شعر بوشكين وبأعمال الترجمة. ولكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولأنها اتخذت عدداً من المواقف الوطنية، وجدت آنا النظام يتسامح معها، فنشرت بعض شعرها القديم ثم نشرت مجموعة جديدة بعنوان “الصفصافة” ثم ازداد رضا النظام عنها بسبب وجودها في لينينغراد أيام الحصار، إذ أسهمت في رفع معنويات السكان وسط مناخات الإرهاب النازي، وراحت تزور المستشفيات وتواسي الجرحى. ولكن ما أن انتهت الحرب وعاد الإرهاب يطاول المثقفين، حتى كانت آنا واحدة من الضحايا، مما دفعها إلى صمت جديد طال حتى 1958، حين أيقظتها رياح التحرر الخروتشوفية من سباتها، لكنها كانت أضحت عجوزاً وجزءاً من الماضي، غير أن هذا لم يمنع نهايتها من أن تكون نهاية مجيدة. وهي حين رحلت عن عالمنا من جراء أزمة قلبية، كانت باتت تعتبر واحدة من أكبر الشعراء الذين أنجبتهم روسيا في القرن الـ20. وهي مكانة سامية لا تزال تشغلها حتى الآن على رغم مضي أكثر من نصف قرن على رحيلها، ولعل كثراً يمكنهم أن يقولوا اليوم إن أخماتوفا كان من شأنها لو أنها لا تزال حية بيننا أن تشعر بالأسى على بلادها أمام ما يحدث فيها اليوم، وبخاصة من جراء انتمائها المزدوج إلى الوطن السوفياتي من ناحية روسيا، وإلى الحيز الأوكراني هي التي ولدت غير بعيد من مدينة أوديسا، وكانت طفلة حين شهدت تلك المدينة الأوكرانية الأحداث الثورية (ثورة 1905) التي يصفها إيزنشتاين في فيلمه الكبير “الدارعة بوتمكين”. المزيد عن: آنا أخماتوفاالشعر الروسينيقولاي غوغولمارك شاغال 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أدمغة خنازير وغرف أوكسيجين لإطالة أعمار الأثرياء next post تحذير أممي: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق You may also like إيطالي من عصر التنوير يبحث عن الصلابة والراحة... 9 مارس، 2025 “الفتاة الوحيدة في الأوركسترا” أشد رقة في محاورة... 9 مارس، 2025 هكذا توفي الممثل جين هاكمان وزوجته في منزلهما 9 مارس، 2025 “ابنة بولين الأخرى” تاريخ “متخيل” للحاكم المزواج 9 مارس، 2025 “ليالي” نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري 9 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: ذهبيات ساروق الحديد في... 5 مارس، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: العصر العباسي الأول بين... 5 مارس، 2025 موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية 4 مارس، 2025 شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز... 4 مارس، 2025 رؤساء أميركا في هوليوود والدراما “مثالية زائفة” 4 مارس، 2025