خلال صلاة الصباح في كنيس يهودي بالقرب من السفارة الإسرائيلية في أديس أبابا، 9 مارس 2010 (أ ف ب) عرب وعالم إسرائيليون ينقبون في إثيوبيا عن مملكة يهودية مزعومة by admin 26 نوفمبر، 2024 written by admin 26 نوفمبر، 2024 22 مع انعدام أي أدلة تاريخية موثقة في شأنها يطرح التحرك الأخير أكثر من سؤال عن جدوى مثل هذه المحاولات اندبندنت عربية / محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي توجه فريق إسرائيلي مختص في الآثار يترأسه عالم الآثار الإسرائيلي بار كريبوس برفقة بعثة استكشافية تابعة لمركز التراث اليهودي في القدس إلى إثيوبيا، بهدف التنقيب عن “بقايا مملكة يهودية في أفريقيا“، بحسب ما أفادت به صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية. ودرجت بعض الأوساط السياسية والثقافية في إثيوبيا منذ زمن بعيد على ترديد سرديات أسطورية تتحدث عن وجود مملكة عاش فيها اليهود برخاء واستقرار على سفوح تلال شديدة الانحدار في قلب جبال سيمين شمال إثيوبيا، بالقرب من إقليم جوندر الحالي. وقالت “هآرتس” إن المملكة المزعومة ازدهرت في إثيوبيا لمدة تزيد على 1000 عام، ويسعى الفريق الإسرائيلي إلى أن يكون أول من يكتشف آثار تلك المملكة المزعومة، وعلى رغم انعدام أي أدلة تاريخية موثقة عن السردية المتخيلة التي تتردد في بعض الأوساط البحثية والثقافية في إثيوبيا فإن التحرك الإسرائيلي الأخير يطرح أكثر من سؤال عن جدوى مثل هذه المحاولات، وما إذا كانت أغراضها بالفعل بحثية تهدف إلى إثبات حقائق تاريخية أو نفيها، أم أنها تسعى إلى تكريس سرديات متخلية بهدف خلق واقع سياسي جديد؟ ويتساءل عدد من الباحثين الجادين عن مدى جدية المهمة التي ينوي الفريق الإسرائيلي القيام بها، بخاصة أن المعلومات المنشورة حول تلك المملكة لا تتعدى الروايات الأسطورية، وهل يمكن صياغة واقع سياسي راهن اعتماداً على سرديات يعتمد جلها على الأساطير التاريخية المتخيلة؟ تمت عمليات عدة لنقل يهود “الفلاشا” إلى إسرائيل بصورة جماعية، وكانت العملية الأولى عام 1977 (أ ف ب) الإجابة عن هذا السؤال بصورته المبسطة تميل إلى النفي باعتبار أن تطور المجتمعات البشرية ودخولها في مسارات حداثية في ظل التطور الصناعي والثورة التكنولوجية تجعل الأساطير بالتبعية مجرد تراث تاريخي لا غير قد يتم استحضارها في الأعمال الأدبية والفنية، لكن لا يمكن الركون إليها لتقديم رؤية للمستقبل أو صياغة واقع سياسي راهن. لكن ثمة رؤية أخرى ربما أكثر عمقاً قد تكشف عن الحبل السري الرابط بين الواقع السياسي القائم أو المراد خلقه وبين السرديات التاريخية المتخيلة. فالمفكر الفرنسي الشهير روجيه غارودي مثلاً يشير في كثير من كتاباته إلى مركزية الأساطير في التفكير التاريخي اليهودي، مؤكداً أن إسرائيل كدولة لم تستطع أن تعلن حضورها الفعلي على الأرض إلا بفضل عملية إحياء وتحيين هائل للأساطير اليهودية القديمة، وابتكار أساطير جديدة من واقعها السياسي القريب (أرض الميعاد، شعب الله المختار، إلخ)، بالتالي لا يمكن التغافل عن دور الأساطير التاريخية في محاولة صياغة الراهن والمستقبل السياسي. مملكة يهودية بلا أدلة وذكرت “هآرتس” أن ثمة اعتقاد سائد في بعض أركان المجتمع اليهودي بأن ثمة مملكة لليهود شهدت حياة مستقلة في غرب إثيوبيا الحالية المتاخمة لإقليم جوندر، إذ أقام فيها غالب اليهود الأفارقة قبل هجرتهم إلى إسرائيل. وامتدت أطراف المملكة – بحسب السردية ذاتها – على مساحة تبلغ مساحة دولة إسرائيل اليوم، ووفقاً للصحيفة فإن كثيراً من الروايات والأساطير سادت في المجتمعات اليهودية وأثارت أملاً بالخلاص، من دون وجود أو العثور على أي دليل مادي يدعم هذه الرواية. وتقول السردية إن المملكة كانت قائمة لأكثر من ألف عام تحت حكم سلالة من الملوك يدعى كل ملك منهم “جدعون” نسبة إلى القاضي التوراتي، لذلك أطلق عليها اسم “مملكة الجدعونيين”. ويربط المنظرون لهذه الرواية بين تلك الأساطير ووجود يهود يعيشون على قمم الجبال بالقرب من جوندر في إثيوبيا كان يطلق عليهم “لوبيا”، وهو المسمى الذي يعتقد بعض الرحالة الإسرائيليين أنه يشير إلى النوبة “السودان حالياً”. وتشكك الصحيفة بمدى صدقية هذه الروايات بعكس الحقيقة التاريخية، إذ ترجع المعلومات عن المملكة إلى روايات شفوية تم تناقلها عبر الأجيال على مدى العقود الأربعة الماضية، وتعدى بعضها إلى التوثيق والكتابة ككتاب “الجدعونيون تاريخ يهود إثيوبيا والرحلة إلى أرض إسرائيل”، للكاتب الإسرائيلي الإثيوبي دانييل بيليتي. وتتناقض هذه السردية مع الروايات المركزية اليهودية، إذ إن الشهادات الأولى بحسب الصحيفة ترجع إلى القرن الـ14 الميلادي، بينما يوجد إجماع على أنها سقطت عام 1626. ويشير المؤرخ الأميركي هربرت كراوس إلى أن الكتابات التاريخية التي خطها ناشطون من المبشرين اليسوعيين تذكر وجود كنيس يهودي في سيجينيت يعود تاريخه لما قبل القرن الـ19، مما قد يكشف عن معلومات ثمينة حول الحياة الدينية والروحية لليهود المحليين في إثيوبيا. في حين يعمل المؤرخ الإسرائيلي بار كريبوس منذ عام 2015 على تقديم أبحاث بهدف تحديد الأماكن التي تربط التقاليد المختلفة بالمملكة اليهودية المزعومة في الحبشة، وبانتقاله إلى إثيوبيا يسعى إلى اكتشاف نتائج مادية ملموسة لإثبات صحة القصص حول المملكة أو دحضها. ووفقاً لما نقلته “هآرتس” عن مؤرخين فإن اليهود قبل نحو 500 عام كانوا خاضوا حروباً طويلة دفاعاً عن مملكتهم المستقلة في أفريقيا، مما ينافي الرواية التقليدية للنفي اليهودي القائل إن “حياة اليهود كانت دائماً في الشتات تحت حكم أجنبي، مسيحياً كان أم مسلماً”. في حين يرجح الباحث عمر سلهم في دراسة عن أصل “يهود الحبشة – الفلاشا”، أن “ساحل شرق أفريقيا منطقة تجارية جذابة لكل قاصد ربح، ومن ثم فإن الوجود اليهودي في هذه المنطقة يعود لممارسة النشاط التجاري، نافياً أن يكون ثمة وجود تاريخي قديم لهم بصورة ممالك في هذه المنطقة. وتذهب بعض المصادر الإثيوبية إلى أن تاريخ اليهود في إثيوبيا يعود ليهود مصر الذين خرجوا مع نبي الله موسى هرباً من فرعون، وخلال فترة التيه قصدوا أرض الحبشة. روايات متناقضة بالعودة لتأصيل الوجود اليهودي في إثيوبيا فإن ثمة روايات متناقضة اختلف حولها المؤرخون، إذ تسرد الرواية الأولى أن أصل يهود الحبشة يرجع إلى اليهود الذين استوطنوا مصر وهاجروا إلى الحبشة وعاشوا بها، فيما تذهب الرواية الثانية إلى أن أصولهم تعود لمملكة نبي الله سليمان التي شهدت انتشاراً واسعاً في المنطقة، لذلك ظل ملوك الحبشة يصفون أنفسهم بالسليمانيون، فيما تقول السردية الإثيوبية الثالثة إنهم ينتمون إلى مملكة سبأ اليمنية، وهي الرواية التي تزعم أن نبي الله سليمان تزوج من ملكة سبأ (بلقيس بحسب المسمى العربي، وماكيدا وفق التسمية الحبشية) ونتجت منها السلالة اليهودية في الحبشة. ويرى المؤرخون أنه باستثناء السرديات ذات الطابع الأسطوري حول تاريخ وجود اليهود في إثيوبيا، فإن جميع تلك الروايات تفتقد إلى معطيات علمية ترجح أياً منها في شأن أصلهم، كما لا توجد تفاصيل كافية عن معتقداتهم الدينية، عدا كونهم يؤمنون بإله بني إسرائيل، وأن الله اختارهم من دون بقية البشر ليكونوا شعب الله المختار، كما يؤمنون بالبعث والنشور وبالحساب في الآخرة، فيما لا يؤمنون بما جاء في التلمود، مما يجعلهم في تناقض مع الروايات السائدة في التراث اليهودي (الإسرائيلي بوجه الخصوص). من جهته يرى المؤرخ الإثيوبي إسحاق تفري أن التراث اليهودي لم يهتف باليهود الإثيوبيون الذين يسمون بـ”الفلاشا”، وتعنى المنفيون، إلا بعد تأسيس دولة إسرائيل بعد عام 1948، إذ اضطرت الدولة العبرية إلى الاعتراف بهم بغرض جلب آلاف منهم نحو إسرائيل لتقوية ديمغرافيتها ولاستخدامهم في الأعمال البسيطة، وتمت عمليات عدة لنقل يهود “الفلاشا” إلى إسرائيل بصورة جماعية، إذ كانت العملية الأولى عام 1977 بمسمى “عملية موسى الأولى”، وتم بموجبها نقل نحو 2500 شخص. يصلي اليهود الإثيوبيون خلال مهرجان “سيجد” في القدس، 16 نوفمبر 2009 (أ ف ب) أما العملية الثانية فكانت عام 1982 تحت مسمى “حق العودة”، وضمت نحو 25 ألف مهاجر، ثم “موسى الثانية” التي تعد الأشهر، إذ تمت عام 1984، وجرى خلالها نقل آلاف من “الفلاشا” إلى فلسطين جواً من السودان بتسهيلات قدمها الرئيس السوادني السابق جعفر نميري. وفي عام 1985 نفذت عملية “سبأ” لنقل “الفلاشا”، إذ بلغ عدد المهاجرين من يهود إثيوبيا نحو 20 ألفاً بدعم معلن من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب. وفي بداية التسعينيات (1991) كانت “عملية سليمان”، إذ نقل نحو 20 ألفاً منهم تحت إشراف نائب رئيس الأركان الإسرائيلي أمنون شاحاك في عهد رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير. أما آخر العمليات فسميت بـ”أجنحة الحمام”، وأجلي خلالها نحو 9 آلاف من المهاجرين الإثيوبيين عام 2012. وعلى رغم أن جميع تلك الهجرات كانت منظمة بطريقة رسمية وعبر اتفاقات بين الدولة الإثيوبية وإسرائيل فإن ثمة اعتقاداً ظل سائداً داخل قطاع واسع من الإسرائيليين بأن غالب المرحلين ليسوا يهوداً بالأساس، بل أشخاص راغبون في الهجرة من واقع الجوع والفقر نحو دولة توفر لهم سبل العيش، لذلك ظلوا يعانون العنصرية والاضطهاد داخل الوطن الجديد. بين الأسطورة والتاريخ ويرى تفري أن ثمة مسافة بين السرديات المروية ذات الطابع الأسطوري، وبين الأبحاث الأكاديمية الجادة والحرفية، ويؤكد الباحث الإثيوبي أن تاريخ اليهود في إثيوبيا يشير إلى الأشخاص الذين يمارسون العبادات اليهودية أو لديهم أصل يهودي داخل الحبشة التاريخية، موضحاً أن أكبر مجموعة يهودية في إثيوبيا هي “بيتا إسرائيل”، والمعروفة أيضاً باليهود الإثيوبيين. وينوه تفري إلى أن أدبيات هذه المجموعة تشير إلى وجود مملكة أسطورية سميت بـ”مملكة سيمين”، وتعني الشمال باللغة الأمهرية، وتذهب الرواية إلى أنه في عصر الحاكم عيزانا (نحو 300 – 375 ميلادية) أحد ملوك مملكة أكسوم وأشهرهم، أعلنت المسيحية ديناً رسمياً لمملكة “أكسوم”، مما أدى إلى رفض السكان الذين كانوا يدينون باليهودية التحول إلى المسيحية وبدأوا في الثورة. ويؤكد الباحث الإثيوبي أن أدبيات مجموعة “بيتا إسرائيل” تزعم وقوع حرب أهلية بين السكان اليهود والسكان المسيحيين، وأدى ذلك إلى إقامة دولة يهودية مستقلة تقع في منطقة جبال سيمين ومنطقة دمبيا الواقعة شمال بحيرة تانا وجنوب نهر سيتيت، في حين لا توجد أدلة علمية وتاريخية تؤكد بصورة قاطعة صحة هذه الروايات. الأهداف السياسية ويضيف تفري أن رحلة الأثريين الإسرائيليين الأخيرة برئاسة بار كريبوس، تسعى إلى إثبات هذه المرويات الأسطورية، ربما لأسباب سياسية أكثر منها تاريخية أو بحثية. ويعتقد أن بعضهم دوافع هذه الرحلة الاستكشافية تتعلق بأسباب داخلية في إسرائيل نفسها، لا سيما في ظل شعور الاضطهاد الذي تشعر به المجموعة الإثيوبية في المجتمع الإسرائيلي، فيهود “الفلاشا” الذين نقلوا إلى إسرائيل بجانب أنهم أسكنوا في المناطق الحدودية مع الدول العربية التي تعتبر مناطق ساخنة عانوا تمييزاً في مقاعد الدراسة وفي سوق الشغل، بل وحتى أثناء ممارسة طقوسهم الدينية أو مهماتهم الرسمية. ويذكر تفري بالمظاهرات السلمية التي قادها مجتمع “الفلاشا” داخل إسرائيل عام 2015، إذ انتفضوا ضد التمييز والاضطهاد، وتعرضوا للتنكيل من قوات الأمن. ويشير إلى أن جندياً إسرائيلياً من “الفلاشا” تعرض للاعتداء من الشرطة أمام أعين الكاميرات، مما أثار جدلاً واسعاً حول واقع العنصرية الذي تعانيه هذه الفئة، مما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى استقبال الجندي الذي تعرض للاعتداء بغرض تهدئة الجالية الإثيوبية. ويرجح تفري أن واقع الحرب التي تخوضها تل أبيب الآن في غزة ولبنان بحاجة كبيرة إلى تقوية الجبهة الداخلية، بخاصة أن معظم “الفلاشا” يخدمون داخل الجيش الإسرائيلي، بالتالي فإن الحديث عن الأصول اليهودية القديمة في إثيوبيا، وتثبيت يهودية “الفلاشا” أمام حملات التشكيك والاضطهاد السائدة في المجتمع، قد يقوي اللحمة الداخلية. ويختم إسحاق تفري حديثه لـ”اندبندنت عربية” بالقول إن “البعثة الإسرائيلية لا تزال في مرحلة دراسة مدى جدية الادعاءات حول وجود مملكة يهودية تاريخية في إثيوبيا، وإن الحكم على جهودها لن يتكشف إلا بعد قراءة نتائج البحث للحكم على ما إذا كانت اتبعت القواعد العلمية والتاريخية للوصول إلى الحقيقة أم أنها بعثة سياسية أتت لصياغة واقع متخيل، بخاصة أنها مبتعثة من القسم المعني بالتاريخ الإثيوبي في مركز التراث اليهودي بالقدس”. المزيد عن: إثيوبيايهود الفلاشاإسرائيلأرض الميعادإسحاق شاميربلاد الحبشةالتراث اليهودي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بايدن يؤكد: إسرائيل ولبنان وافقتا على وقف إطلاق النار next post شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة نظر شخصية You may also like قصة حركة “حباد” المرتبطة بمقتل الحاخام الإسرائيلي في... 27 نوفمبر، 2024 3 نقاط استجدت على الوساطة الأميركية جعلت نتنياهو... 26 نوفمبر، 2024 بايدن يؤكد: إسرائيل ولبنان وافقتا على وقف إطلاق... 26 نوفمبر، 2024 ماكرون يدعو لبنان “لانتخاب رئيس” بعد اتفاق وقف... 26 نوفمبر، 2024 مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة... 26 نوفمبر، 2024 ما سر استبعاد مئات الإخوان من قوائم الإرهابيين... 26 نوفمبر، 2024 “إنهاء نظام خامنئي الخيار الوحيد أمام إسرائيل في... 26 نوفمبر، 2024 ماذا نعرف عن بنود الاتفاق بين حزب الله... 26 نوفمبر، 2024 وزير المالية الإسرائيلي يدعو لخفض عدد سكان غزة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يتابع الكتابة عن .. جمال مصطفى:... 26 نوفمبر، 2024