إسحاق بابل (موسوعة الأدب الروسي) ثقافة و فنون إسحاق بابل الكاتب الشيوعي الذي أخفاه نظام ستالين by admin 18 أكتوبر، 2024 written by admin 18 أكتوبر، 2024 64 وصف في روايته “فرقة الخيالة الخامسة” أساليب رفض الديكتاتورية للمعتدلين اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حكاية إسحاق بابل مع السلطات السوفياتية في سنوات الثلاثينيات من القرن الـ20 تكاد تكون حكاية “مثالية” عن العلاقة بين سلطة حزب شمولي واحد يحكم البلد ويتحكم بأهله خائفاً مرتعباً ومثقفين لا يريدون أصلاً أن يكونوا معارضين حقيقيين، ولكنهم يريدون في الأقل أن يكتبوا آراءهم باعتدال وتواضع، من دون مبالغة أو ممالأة، ثم ينجون بعد ذلك بجلودهم. المشكلة في ذلك الحين هي أن “البارانويا” التي كان يعيشها أصحاب السلطة والحزب، كانت ترى، كما حال كل الديكتاتوريات الطاغية في كل مكان وزمان، مؤامرة، لا سيما مؤامرة آتية من الخارج، في كل كلمة تكتب وصورة تلتقط وفكرة يحاول صاحبها أن يعبر من خلالها عما يخيفه أو يتطلع إليه بأمل، وعدوا في كل زاوية: إنها كما نعرف ونعايش حالة مرضية ستالينية عمومية كانت متفشية في الاتحاد السوفياتي في ذلك الزمن الستاليني الذي يبدو أنه لا يريد أبداً أن يتحول إلى ماض! غلاف الطبعة الأولى من “فرقة الخيالة الخامسة” (أمازون) أهل الفكر ضحايا كانت نتيجة ذلك أن دفع الثمن عدد هائل من أصحاب الفكر والقلم. وإسحاق بابل كان من هؤلاء. أما مصيره فظل مجهولاً: ذات يوم من عام 1941 اختفى تماماً… اختفى في الطبيعة وفق ما يقول المثل الروسي. ثم كذلك ولفترة طويلة من الزمن اختفت كتاباته وأعماله هو الذي كان يعد منذ بداية سنوات الـعشرينيات أحد أكبر وأنجح كتاب الرواية في الاتحاد السوفياتي. وتقول الرواية مع إن أعمال بابل كانت في شكلها الخارجي أشبه بالقصص القصيرة، ولكننا منذ الآن سنلفت إلى أنها كانت هكذا في شكلها الخارجي فحسب… لا سيما منها عملاه الرئيسان: “حكايات أوديسا” التي صدرت في عام 1925 ثم خصوصاً “فرقة الخيالة الخامسة” التي صدرت بعد ذلك بعامين. عملان أساسيان في العمل الأول “حكايات أوديسا” التي تبدو بصرياً على علاقة مباشرة ببعض أجمل اللوحات التي صور فيها الفنان الروسي الأصل مارك شاغال حياة قريته الروسية البسيطة والعابقة بمزيج من الفولكلور الروسي – اليهودي. في ذلك العمل إذاً، تحدث إسحاق بابل عن الحياة اليومية في المدينة البحرية الجنوبية التي ولد وعاش طفولته فيها. أما في العمل الثاني، “فرقة الخيالة الخامسة”، فإنه انتقل إلى موضوع آخر تماماً، إلى يوميات حياته على جبهة القتال يوم كان هو نفسه عضواً في تلك الفرقة الشهيرة في الجيش السوفياتي الشاب. وللوهلة الأولى قد تبدو هذه النصوص أشبه بيوميات دونها قلم مجند شاب هو الراوي الذي بقدر ما يرصد الحرب والمعارك وأهوالهما، نراه يرصد في الوقت نفسه الحياة اليومية في صفوف القوات التي كان ينتمي إليها، وهي خصوصاً قوات مؤلفة من جنود من القوزاق الأقوياء. غلاف طبعة إنجليزية لمختارات من أعمال بابل (أمازون) 34 “مقطوعة” ولوصف هذه الحياة كتب بابل 34 “مقطوعة” قصيرة تبدو عند النظرة الأولى، غير ذات علاقة في ما بينها ولا يجمعها سوى حس المكان والزمان المشتركين اللذين كتبت في خضمهما… ولكن في الحقيقة من الواضح بعد ذلك أن من يقرأ هذه النصوص تباعاً، سيجد نفسه أمام شبكة مترابطة من الأحداث والشخصيات والوقائع، التي تكشف في آن واحد انبهار الراوي بتلك الحياة وبصانعيها، من الجنود القوزاق خصوصاً، من ناحية، ورغبته واشمئزازه مما كان يرصده مما هو متعلق بالحياة والأحداث من حوله، من ناحية أخرى. ويتعلق هذا، خصوصاً بما يرونه عن تصرفات الجنود القوزاق الذين يقدمهم إلينا في كل فقرة وسطر، شجعان يقدمون على الموت لا يهابونه. لكنهم في الوقت نفسه يشعرون بقدر كبير من الاحتقار إزاء المثقفين الذين يؤكد لنا بابل أنهم كانوا هم الذين يشكلون كادرات القوات المسلحة والكادرات الحزبية، وكانوا لا يتورعون عن الإساءة، وبأبشع الأشكال إلى أسراهم. ومن ذلك، كما يروي بابل في بعض المقطوعات أن المثقفين المسؤولين، كانوا حين يقبضون على الموجيك الإقطاعيين لا يتورعون عن البدء بضربهم بالسوط حتى قبل أن يبدأوا في “التحقيق” معهم، كما أنهم كانوا لا يتورعون عن اغتصاب النساء وتعذيب أي يهودي معاد يقع في أيديهم… لكنهم في الوقت نفسه كانوا لا يهابون الموت بل ينخرطون في القتال من دون حساب… ولا يفوت بابل أن يذكر بين الحين والآخر أن فرقة الخيالة الخامسة، ما كان من شأنها أبداً أن تربح أياً من تلك المعارك الهائلة التي قيض لها أن تربحها، لولا بأس أولئك الجنود القوزاق وشجاعتهم، بيد أن هذه الحقيقة لم تمنعه من السؤال عما كانت الثورة البلشفية تعنيه حقاً بالنسبة إلى هؤلاء المقاتلين البدائيين؟ ثم هل يمكن لهذه الثورة أن تهتم حقاً باستيعاب مثل هؤلاء الناس، هي التي تتنطح، نظرياً، إلى بناء إنسان جديد لعله يكون النقيض التام لمثل هؤلاء الرجال… بمعنى أن النصر وبناء الثورة هل تراهما يتلاءمان حقاً مع هكذا ذهنية وإقدام؟ أسئلة شائكة كان من الواضح أن مثل هذه الأسئلة شائكة إلى أبعد الحدود… وكان واضحاً فيها أن إسحاق بابل، في طرحه ولو الحاد لها، إنما كان في الأصل يدافع عن ثورة يؤمن بها ولما فيه خير تلك الثورة… غير أن السلطات الستالينية لن تنظر إلى الأمر على هذا المنوال… صحيح أن المجموعة حين ظهرت لم تثر كثيراً من مشكلات بل عدت، على رغم كل شيء، تمجيداً للثورة وقلقاً عليها. ولكن بعد أعوام قليلة، مع استشراء حملات التطهير الستالينية، ستعد المجموعة نقداً حاداً للثورة وسيحاسب بابل عليها حساباً عسيراً. أو هذا، في الأقل ما يقترحه علينا اختفاؤه الغامض الذي لن يعود منه أبداً ولن تكشف وثائق جدية عن مآله. معركة في بولندا الأحداث التي يرصدها إسحاق بابل في هذه المجموعة تدور جميعاً إذاً، خلال الحملة التي تشنها تلك الفرقة التابعة للجيش الأول، في بولندا، ضد الجنرال بلزودسكي ورجاله من البيض… وكان بابل، والراوي كذلك، ينتمي إلى فرقة بودييني الشهيرة التي انتهى بها الأمر بعد قتال عنيف جداً، إلى تحقيق الانتصار تلو الآخر. والراوي هنا هو مثقف يدعى ليوتوف، يكون من نصيبه أن يختلط طوال الوقت بالجنود القوزاق الذين يشكلون عصب تلك الفرقة. وليوتوف في وقت يخوض فيه شتى المعارك، يرصد بدقة ما يحدث من حوله… ويدون وقائع التصرفات والحوارات اليومية، ويخلط الرسائل بالمذكرات والحكايات البسيطة بالحكايات المعقدة، والبيانات العسكرية بنشرات الأخبار لكي يطلع من كل ذلك بشبكة منسوخة من حول أحداث كان المطلوب منها أن تساعد على إقامة السلطة الساعية لبناء إنسان جديد، في كل ركن يتم الوصول إليه، و”تحريره”. راو محايد اللافت في هذا كله أن إسحاق بابل يروي كل ما يحدث أمامه من طريق راو لا يكاد يهزه حدث، إذ ها هو يحدثنا عن البطولات كما عن المجازر بلهجة واحدة. حتى وإن كان يلجأ إلى قدر كبير من الكتابات والترميزات لكي يضعنا في قلب تلك المغامرة التي يمكننا أن نخلص منها إلى أن ما نراه يفوق قدرة البشر، ووصفه يفوق قدرة أي كاتب على الوصف، ولكن ذلك لم يكن مستحيلاً على أي حال بالنسبة إلى قلم مثل قلم ذلك الكاتب المبدع الذي يصف المجازر التي يرتكبها رفاقه بقسوة مرعبة، ثم يصف وبالطريقة نفسها بكاء الواحد منهم على حصانه حين يموت! من هو بابل؟ ولد إسحاق بابل في عام 1894، من أسرة ذات جذور يهودية، وإن كان هو بانتمائه الشيوعي لاحقاً أبعد نفسه عن دين أجداده. ولكن مع أمله أن تكون الثورة البلشفية وسيلة للقضاء على معاداة السامية التي كانت مستشرية في روسيا في ذلك الحين. غير أن ذلك الانتماء لم يمنع بابل من أن يكون كاتباً مستقلاً، بل ويضمن كتاباته قدراً كبيراً من السخرية. ولعل هذا ما جعله مغضوباً عليه… لكن تمت مسامحته لاحقاً… ثم غضب عليه من جديد واعتقل في عام 1939 ليختفي بعد سنتين من ذلك إلى الأبد. المزيد عن: إسحاق بابلالأدب الروسيالنظام الستالينيالفولكلور الروسيالقوزاق 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “أكتوبر الوردي”… كيف تسهم الثقافة في دعم مرضى سرطان الثدي next post “الإيدز”… فيروس يهدد شباب الجزائر بصمت You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024