ثقافة و فنونعربي أين اختفى شرلوك هولمز “مات” على يد موريارتي؟ by admin 19 أكتوبر، 2022 written by admin 19 أكتوبر، 2022 20 كاتبان إسبانيان يطرحان فرضية معقولة ولكنها معاصرة لزمننا لا لزمن التحري الشهير اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ ما يزيد على المئة عام ونيف والمهتمون بـ”مصير” التحري البريطاني الشهير شرلوك هولمز لا يتوقفون عن التساؤل حول المكان الذي أمضى فيه صاحب أشهر غليون في التاريخ تلك الأعوام القليلة التي أعقبت “مقتله على يد المجرم موريارتي في لحظة غضب واتت مؤلف روايات هولمز آرثر كونان دويل إزاء استيائه من تفوق شهرة بطله على شهرته فقرر إزالته من الوجود، لكن الذي حدث يومها هو أن رسائل واحتجاجات القراء انهمرت على رأس الكاتب الغاضب و”القاتل”، كما راحت تصفه الرسائل، فقرر أن يتراجع وأعاد بطله مذعناً في مغامرات جديدة مفترضاً أنه لم يقتل في تلك السابقة بل اختفى فظن الجميع بمن فيهم الدكتور واطسون أنه مات. قبل اختفاء أغاثا كريستي ولكن أين اختفى هولمز يومها، ولماذا؟ لم يوضح دويل الأمور فراحت التكهنات تتابع والفرضيات تتراكم، بل راحت الكتب تصدر متناولة الموضوع في تزاحم استبق ما سيحدث لاحقاً حين ستختفي أغاثا كريستي، لكن تلك حكاية مختلفة بالطبع. فكريستي سيدة حقيقية أما هولمز فشخصية وهمية. ولكن من ذا الذي يعبأ بذلك؟ فحتى ملكة بريطانيا الراحلة حديثاً إليزابيث الثانية كانت قد أسبغت يوماً على هولمز أوسمة حقيقية ولقباً كما فعلت مع جيمس بوند. وإزاء ذلك هل يمكن أحد من رعايا صاحبة الجلالة أن يصدق أن هولمز لم يوجد حقاً وأنه حين اختفى اختفى حقاً ولذا لا بد من أن يكون اختفى في مكان ما ولغاية ما. ولئن كان دويل قد استنكف عن تحديد المكان الذي اختفى فيه بطله اللدود بين عامي 1891 و1893، فإن كثراً سيفعلون. ومن أحدث هؤلاء مؤلفين إسبانيين أحدهما كاتب والثاني رسام أصدرا في عام 2015 رواية شرائط مصورة “تؤكد” أن التحري الشهير إنما أمضى تلك الفترة في… برشلونة. مهمة في مدينة صاخبة لكنه لم يمضها هناك كسائح يريد أن يعايش صخب المدينة البديعة، أو للتمتع بمباريات فريق (البارشا) لكرة القدم، الذي لم يكن قد وجد بعد، ولكن في مهمة سياسية، بل حتى تتعلق بالإرهاب، لن نعرف أبداً على أي حال إلا في النهاية من الذي دعاه للقيام بها، لكننا نعرف أنه تمكن من حل ألغازها وتفكيك هيكلية القائمين بها على أحسن ما يكون، ثم لسريتها وخطورتها ولأنها ظلت تحلق فوق وجوده حتى النهاية، قرر السكوت عنها حتى في أحاديثه الطويلة مع الدكتور واطسون، بل لعله سكت عنها لأنه لم يكن راضياً عن الكتاب ككل. ولم يكن وحده في ذلك الموقف، حيث إن النقاد وخبراء الحكايات الشرلوك هولمزية أجمعوا على أن المغامرة لا ترقى أبداً إلى المستويات التي كان آرثر كونان دويل قد أوصل إليها حكايات بطله، حتى وإن كان معظمهم قد أثنى على الفكرة ولكن بخاصة على جودة الرسوم التي عرفت كيف تخلق أجواء تلوينية تمزج بين عتمة لندن وإشراق شمس الشمال الإسباني وألوان برشلونة الصاخبة. ولكن عماذا تحكي تلك الرواية المعنونة “مؤامرة برشلونة”؟ ببساطة عن مؤامرة سياسية – إرهابية نظمتها مجموعة من الفوضويين الذين كانوا منتشرين بالفعل في إسبانيا خلال تلك المرحلة من التاريخ، وسيكونون حتى من الجهات الأكثر ثورية في هذا البلد خلال حربه الأهلية المقبلة بعد “حكاية شرلوك هولمز” بأكثر من ثلث قرن، لكن هذه حكاية سياسية بالفعل وجدية بالفعل لم يأبه بها مؤلفا الكتاب. هما اهتما وحسب بالجانب الإرهابي– البوليسي من الموضوع (وكان هذا من المآخذ الأساسية على عملهما). المهم أن هولمز وجد نفسه، كما تقول لنا الحكاية الإسبانية، في برشلونة في عام 1893 وقد كلف بالكشف عن خيوط تلك المؤامرة الشيطانية التي يحيكها الفريق الفوضوي الإرهابي لنسف واحد من أكبر المسارح في المدينة وخلال امتلائه بجمهور من الطبقتين الوسطى والأرستقراطية خصوصاً، اللتين اعتادتا ارتياد تلك الصالة المهيبة التي لا يمكن للفقراء أن يكونوا من زبائنها، بالتالي فإن النسف نفسه إن تم سيكون جزءاً من صراع طبقي صارخ يهدف إلى تغيير النظام بأسره في إسبانيا عبر إشاعة الفوضى وتشديد الصراعات وما إلى ذلك. صفحة من الرواية الإسبانية المصورة (أمازون) أسرار مناضل نقابي ولعل اللافت هنا هو أن من يحدث هولمز عن المؤامرة ويكشف له خيوطاً أولى حولها وحول الجماعة القائمة بها، ليس شرطياً أو واحداً من أبناء الطبقات الميسورة أو يمينياً متطرفاً كما كان في إمكان الحال أن تكون، بل هو مناضل ثوري حقيقي هذه المرة وعضو في النقابات التغييرية. فخاووم ماسبوك هو ذلك الثوري العامل في الطباعة، الذي بات يجد أن الأسلوب الإرهابي في النضال لا يمكنه أبداً أن يخدم الطبقة العاملة، ولذلك ها هو يطلب من التحري اللندني أن يقطع إجازته القسرية ليساعد المدينة على التخلص من الجماعة الإرهابية المسماة “ميسترال” التي يقودها عقيد متقاعد حاقد على الجميع، لكنه على الرغم من غموضه سرعان ما يتكشف عن حقيقته أمام محققنا الشهير الذي ها هو يعمل هذه المرة من دون أن يكون واطسون إلى جانبه! وتدور الحكاية إذاً على خلفية جزء حقيقي من تاريخ إسبانيا عند نهايات القرن الـ19، ولكن طبعاً بذهنية لا تبتعد كثيراً عما حدث في إسبانيا من أعمال إرهابية بتدبير من “القاعدة” عند نهايات القرن الـ20، ولا حتى عما اقترفه ثوار الباسك خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. ففي نهاية الأمر من الواضح أن لمؤلفي الرواية اختياراتهما السياسية التي لم يعرفا كيف يلبسانها للضيف البريطاني كما يجب، فنتج عن ذلك نوع من خلل كان بدوره من مآخذ النقاد ومعجبي هولمز، عليهما. ومهما يكن من الأمر هنا فإن هولمز يبدأ احتكاكه بالحكاية ذات ليلة برشلونية حين ينقد ماسبوك من تعرض ثلاثة من رجال الجماعة له، وسنعرف لاحقاً أن الهجوم كان مرتباً لأن هذا الأخير يعتبر من قبل الجماعة خائناً لها إذ تركها بعد أن كان من أعضائها. وفي نهاية الأمر ومن خلال التعاون بين هذا الفوضوي السابق وشرلوك هولمز تنكشف المؤامرة و”تضطر” الشرطة إلى التدخل ضد العقيد ورجاله. ونقول “تضطر” لأننا في سياق القصة سنكتشف، ودائماً من طريق ماسبوك، أن الشرطة الضالعة إلى حد ما في المؤامرة كانت تعرف معظم ما يحاك لكنها تغض النظر عن نشاطات العقيد وجماعته لأن الأمور تجري هكذا في إسبانيا ولو أن الأمر لا يبدو مقنعاً. وهنا يكمن مأخذ جديد، لم يفت النقاد الأميركيون خصوصاً الإشارة إليه! جذور حقيقية للمؤامرة ومهما يكن من الأمر هنا، فلا بد من الإشارة في الختام إلى أن هذا العمل وإن لم يكن في الإمكان اعتماده بوصفه الإجابة الأكثر معقولية حول السؤال بصدد أين اختفى هولمز وما الذي فعله خلال فترة اختفائه؟ فإنه بدا من الأمور الطريفة أن يقدم مبدعان إسبانيان على “تأميم” هولمز ولو إلى حين لربطه بحكاية حقيقية حدثت بالفعل في برشلونة في ذلك العام المحدد، 1893، حين قامت بالفعل جماعة فوضوية إرهابية بحياكة المؤامرة المتطابقة تماماً مع تلك الموصوفة في الرواية. وحتى لو كان الطموح الواضح هو محاولة حل لغز أدبي تاريخي معين يتعلق بأعوام من حياة هولمز كانت الأكثر اضطراباً في تلك الحياة حين انقطعت أخباره طوال السنوات التي أعقبت اختفاءه المفترض في شلالات ريتشينباخ في سويسرا أثناء مواجهته مع الأستاذ موريارتي، فيبقى خارج المنطق ما “يتضح” في هذه الرواية الإسبانية من أن الاستخبارات البريطانية كانت هي التي أرسلته إلى برشلونة لمواجهة الهجوم الفوضوي المفترض على خلفية الصراع الطبقي الاجتماعي، ما يعني هنا أن تحري باكر ستريت الذي بالكاد اهتم بالسياسة المحلية في بلده، مستعد للاهتمام الآن بسياسات البلاد الأخرى التي من المؤكد أنها لم تعنه ولو لحظة في أي مرحلة سابقة من حياته! المزيد عن: شرلوك هولمز\آرثر كونان دويل\أغاثا كريستي\الملكة إليزابيث الثاني\ةجيمس بوند 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إنزال أوكراني على محطة زابوريجيا ودعوة لإخلاء خيرسون next post شيهان كاروناتيلاكا يفوز بـ”البوكر” البريطانية برواية عن مآسي سريلانكا You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024