أنطونيو سالييري (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون أنطونيو سالييري… بين العبقرية المظلومة والغيرة القاتلة by admin 12 نوفمبر، 2024 written by admin 12 نوفمبر، 2024 33 رحلة ملحن إيطالي سطع في زمن موزارت اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب إذا كان كل الذين شاهدوا فيلم ميلوش فورمان “أماديوس” احتفظوا في ذاكرتهم بمعظم تلك المشاهد التي يبدع فيها بطل الفيلم في أداء دور موزارت والتعبير عن عبقريته الديناميكية وولعه بالحياة والفن إلى درجة أن شخصية ذلك البطل، قام بالدور توم هولس، سيطرت على الفيلم تماماً، فإن كثراً أيضاً هم أولئك الذين لم ينسوا ولن ينسوا أبداً ف. موراي أبراهام وهو يقوم في الفيلم بدور سالييري، الموسيقي الإيطالي المقيم في فيينا، زمن موزارت، والذي تقول الحكاية إنه ربما كان هو من دس السم لهذا الأخير متسبباً في موته بسبب غيرته. والحال أن أبراهام كان من الإقناع، والفيلم نفسه كان من القوة إلى درجة أن تلك النظرية ترسخت تماماً، على رغم الالتباس الذي أورده الفيلم بصددها، بحيث جعلت لسالييري صورة الغيور الشرير والموسيقي الناقص الموهبة الذي ساءه ظهور ذلك الفتى في زمنه واستحواذه على كل ذلك الاهتمام. ونحن نعرف طبعاً أن فيلم “أماديوس” المأخوذ عن مسرحية بيتر شافير، لم يبدع جديداً في رسم شخصية سالييري على ذلك النحو وفي إحاطته بالشبهات، فحكاية “تسميم” سالييري لموزارت متداولة منذ زمن بعيد، وإن كان أحد لم يتمكن من إثباتها تاريخياً وعلمياً، فاكتفى بجعلها موضوعاً فنياً. ولقد كان الشاعر الروسي بوشكين واحداً من أوائل الذين عمدوا إلى هذا، حين كتب نص “موزارت وسالييري” (1830)، الذي اقتبسه ريمسكي كورساكوف لاحقاً في عمل أوبرالي حقق في حينه قدراً كبيراً من النجاح. أفيش العرض الأول لأوبرا “التعرف على أوروبا” تزامناً مع افتتاح “لا سكالا” (ويكيميديا) في ظل موزارت المهم في الأمر هنا هو أن سالييري لم يكن مجرد مشبوه تحاك من حوله الروايات في صدد نهاية موزارت الغامضة، ولم يكن فقط ذلك العجوز المكتئب في آخر أيامه الذي مات وقد تفاقم جنونه الذي كان قد ظهر باكراً لديه، وهذه حقيقة تاريخية لا مراء فيها، إذ إنه مات حقاً في مأوى لذوي الأمراض العقلية، لكنه كان في الوقت ذاته مؤلفاً موسيقياً كبيراً كان من سوء حظه أن عاش في زمن موزارت وفي ظل عبقرية هذا الأخير، فأياً يكن، من ذا الذي كان يمكنه حقاً أن يخرج من دون خسائر إذ يقارن فنه الكبير بفن موزارت السماوي العبقري؟ والحقيقة أننا إذ استمعنا اليوم إلى بعض أعمال سالييري، الأوركسترالية أو الأوبرالية، سيدهشنا مقدار الإجحاف الذي اقترف في حقه، هو الذي كثيراً ما سعى، انطلاقاً من جذوره الموسيقية الإيطالية، وصولاً إلى دراسته في فيينا واطلاعه الجيد على تجديدات غلوك في الموسيقى في ذلك الحين، إلى إيجاد نوع من المزاوجة بين النسغ الميلودي الإيطالي الخفيف على الأذن والفاتن، والعبقرية الموسيقية النمسوية والجرمانية عموماً التي تدعو إلى التأمل العقلاني، في الوقت ذاته، الذي تخاطب فيه العواطف والروح، ولعل سالييري، انطلاقاً من هذا، كان يختار لمواضيعه “تسمية” أساسية تقوم في المزاوجة بين الأماكن والأزمنة، وتشهد على هذا أوبرا “ألداناييد” التي كتبها في عام 1784، ولكن بخاصة أوبرا “التعرف على أوروبا” التي كانت من أول أعماله الكبيرة، وهو لحنها، بعد قليل من وصوله فيينا، في عام 1778، حين كان بعد في الـ28 من عمره. خطف أوروبا… من صور وإذا كانت أوبرا “ألداناييد” ترتبط في أحداثها بمصر، مستقاة من الأساطير اليونانية، فإن أسطورة خطف أوروبا من صور، من جانب أستيريوس ملك كريت، ليصبح اسمها نفسه اسم تلك القارة التي توحي إلينا الأسطورة بأنها وليدتها، هي التي أوحت لسالييري بأوبرا “التعرف على أوروبا”. ونحن نعرف، طبعاً، أن أسطورة أوروبا وخطفها كثيراً ما ألهمت الأدباء والفنانين في مجال الأوبرا والرسم، والشعر، والمسرح، وغيرها. غير أن الأسطورة تحولت على يدي سالييري إلى عمل شبه عائلي، له مذاق الواقع اليومي والاشتباكات المنزلية… ولعل هذا ما كون جزءاً من سحر هذا العمل وإن كان أدى في الوقت ذاته إلى انتزاع الأبهة من أسطورة كان لها مذاق آخر وجوهر آخر على مر العصور وعلى أيدي الفنانين الآخرين. قبل “التعرف إلى أوروبا” كان سالييري حقق بعض النجاح في المسرح الفكاهي، بخاصة مع الأوبرا الهزلية “السيدات المتأدبات” حين كان بعد في الـ 20 من عمره، لكنه كان عليه أن ينتظر بضع سنوات أخرى، وتحديداً العرض الأول لـ”أوروبا” على خشبة “لا سكالا” في ميلانو، فكانت الأوبرا الأولى التي تعرض على هذه الخشبة في تاريخها (الثالث من أغسطس (آب) 1778)، لكي يدخل المجد الموسيقي من بابه العريض… وتقع هذه الأوبرا في فصلين، لحنهما سالييري انطلاقاً من نص كتبه م. تيرازي، مستقى، بدوره من الأسطورة المعروفة. وهكذا يروى لنا منذ البداية كيف أن أوروبا ابنة آجينور ملك صور الفينيقية، والموعودة زوجة للأمير إيسي، قد اختطفها الملك الكريتي أستيريوس الذي يتزوجها. أما في صور، فبعدما تبدى أن عمليات البحث عن أوروبا المخطوفة لن تؤدي إلى العثور عليها، إذ تعذر على الصوريين معرفة مصيرها، أعلن الملك العجوز آجينور أنه عين ابنة أخيه الشابة سيميلي وريثة له، بالتالي فإن من سيتزوجها سيصبح تلقائياً ملك صور… لكن وصول هذا إلى العرش لن يتحقق إلا بعد أن يسيل دم أول أجنبي تطأ قدماه أرض المملكة، ثائراً للأميرة المخطوفة. وهكذا، بعد موت آجينور يتوجه أستيريوس ملك كريت وزوجته أوروبا إلى صور للاستيلاء عليها، غير أن عاصفة مفاجئة تتمكن من سحق أسطول ملك كريت وإغراق السفن والمحاربين بحيث لا يبقى على قيد الحياة سوى الملك والملكة وابنهما الصغير. وإذ يصل الناجون إلى ساحل صور، بعدما وفرتهم العاصفة وعانوا الأمرين، يأسرهم أغيستي المعروف بقسوته والذي يتطلع إلى الزواج من سيميلي ليصبح ملكاً على المدينة. ويكاد أغيستي يتمكن من التخلص منهم إثر ذلك لولا دهاء أوروبا، التي إذ فور التعرف إليها تتمكن، بشطارة فينيقية أصيلة، من إنقاذ حياة زوجها وابنها في مقابل تخليها عن عرش صور، ولكن ليس لمصلحة أغيستي، بل لمصلحة خطيبها السابق إيسي، الذي يتمكن هنا، ودائماً بمساعدة أوروبا والشعب الصوري، من القضاء على أغيستي المغتصب، مما يجعله، في المشهد الأخير من الأوبرا يقتاد الحسناء سيميلي إلى المعبد، حيث يقترن بها وسط فرحة الجميع، ليصبح بالتالي بطل مدينة صور وملكها. أعمال ناجحة لقد كان “التعرف على أوروبا” أحد أبرز أعمال سالييري الكبيرة، وفيها يبدو واضحاً تأثره بموسيقى غلوك، كما تتجلى ملامح عبقريته الخاصة في مجال التوليف بين ما هو أصيل وما هو حديث. ونذكر هنا أن أنطونيو سالييري 1750-1825، كتب عدداً كبيراً من الأعمال قبل الشهرة الكبيرة التي وفرتها له أوبرا “أوروبا”، غير أن أعماله الكبرى أتت من بعدها، ومنها على سبيل المثال “مغارة تروفونيو” (1785)، و”الموسيقى أولاً، والكلام بعد ذلك”، وهي ميلودراما طريفة عرضت، للمرة الأولى، في عام 1786. ومن أعمال سالييري الأخرى “كوبلاي… خان التتار الكبير” (1789) و”الأفريقي” (1796)، و”فالستاف” (1799). ولد سالييري في فيرونا بإيطاليا، لكنه عاش معظم سنوات حياته في فيينا، التي شهدت افتتاح معظم أعماله، وانتصاراته الكبرى، حتى مجيء موزارت، الذي سطعت شمسه فغطت على جميع معاصريه، ومن بينهم أنطونيو سالييري، الذي كان من سوء حظه أن اختاره التاريخ ليسبغ عليه هالات الشر، من دون أن يستحق ذلك! المزيد عن: أنطونيو سالييريفيلم أماديوسريمسكي كورساكوفأوبرا ألداناييدموزارت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دعوة إلى حظر التونة المعلبة جراء مستويات سامة من الزئبق next post “إسرائيل الكبرى”… حلم صيف يميني أم مشروع حقيقي؟ You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024