لم يعد التحول في أوستن مجرد قصة محلية، بل أصبحت قصة تحذيرية لبقية أميركا (أ ف ب) بأقلامهم أليكس هانافورد يكتب عن: عمالقة التكنولوجيا دمروا أروع مدينة في أميركا والباقي مهدد by admin 30 يناير، 2025 written by admin 30 يناير، 2025 19 في بلاط “الملك” ترمب ظهرت “أوليغارشية” جديدة قد تشكل خطراً على المواطنين العاديين الذين سيتحملون وطأة ثرواتهم الضخمة وتأثيرهم على الحياة اليومية من دون رادع. اندبندنت عربية / أليكس هانافورد أليكس هانافورد هو مؤلف كتاب “ضائع في أوستن: تطور مدينة أميركية”، الصادر عن دار ديي سانت/هاربر كولينز بينما كان دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية في الـ20 من يناير (كانون الثاني) ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية، جلست كوكبة من مليارديرات التكنولوجيا، في الصف الثاني، حيث كان يجلس عادة السياسيون والمسؤولون الحكوميون المخضرمون. بدا إيلون ماسك وكأنه قد اشترى مقعده بنفس البذخ العفوي الذي يمارسه في شراء منصات التواصل الاجتماعي. أما ساندر بيتشاي من “غوغل”، فقد ظهر وكأنه قطعة شطرنج متحركة في لعبة الشركات الكبرى، يستعد لخطوته التالية. جيف بيزوس كان مشغولاً بابتسامة خفية، تكاد تخفي طموحه الواضح لتأمين عقود حكومية لشركته الفضائية “بلو أوريجن”. ثم كان هناك مارك زوكربيرغ – “زاك” المألوف البسيط الذي بدا كطالب دراسات عليا دخل الغرفة الخطأ، ولكن تأييده لترمب كان بطريقة ما الأمر الأكثر فظاعة. ربما كنا نظنه أفضل؟ لم تكن هذه مجرد مراسم تنصيب. بل كانت صفقة- عرضاً علنياً لكيفية تحرك السلطة في أميركا اليوم. ليس عبر الأصوات، بل من خلال الوصول المحسوب بدقة. في يوم من المفترض أن يكرم فيه إرث مارتن لوثر كينغ الابن في تحقيق العدالة، تحولت مراسم التنصيب إلى استعراض لمجموعة من أصحاب المليارات في التكنولوجيا، تفوق ثرواتهم الإجمالية بكثير تلك التي يملكها ملايين الناخبين من الطبقة العاملة الذين أوصلوا ترمب إلى فوزه الانتخابي بفارق ضئيل. لقد أخبرتنا تشكيلة الحضور في الـ20 من يناير الجاري بقصة بشعة عمن يمتلك السلطة الحقيقية في واشنطن. وبينما ننتظر لنعرف كيف سيبدو العالم عندما يدير جبابرة التكنولوجيا العرض، ثمة مكان بوسعنا أن نلقي نظرة عليه قد يقدم لنا فكرة عما قد يحمله المستقبل. لقد رأيت ما فعله تقاطر أثرياء التكنولوجيا الأثرياء إلى مدينتي الأميركية المفضلة: أوستن، تكساس. في الواقع، لقد ألفت للتو كتاباً عن ذلك. انتقلت إلى أوستن من لندن في عام 2003. وبعد عقدين تقريباً، حزمت حقائبي وغادرت إلى شمال ولاية نيويورك. كانت التغييرات التي شهدتها المدينة قد أصبحت، بالنسبة إلي على الأقل، شديدة الإزعاج وعميقة للغاية. عندما انتقلت لأول مرة إلى عاصمة تكساس، بدت لي المدينة الأروع والأكثر استرخاء في حياتي؛ فقد كان الناس يأتون إليها بحثاً عن حياة مليئة بالفرص والتجارب الكبيرة وغير متكلفة على غرار تكساس، إضافة إلى جو راق يعزز الحرية الفردية. لكنها كانت أكثر من ذلك أيضاً. فقد كانت ميسورة التكلفة. متنوعة. ترحب بالمهاجرين. ولكن بحلول عام 2020، كانت قد تغيرت. وكما كتبت في كتابي “ضائع في أوستن”Lost in Austin: “أخذت أسعار العقارات والضرائب والإيجارات في الارتفاع، وكانت السيارات والشاحنات تتزاحم على الطرق السريعة المكتظة، وكان الطقس الحار قد بدأ أخيراً في التأثير، وبالنسبة لي [ولعائلتي] على الأقل، كان سحر أوستن يتبخر في ذلك الحر”. طوال ما يقارب العقدين، كنت شاهداً حياً على التغيرات السريعة في واحدة من أسرع المدن نمواً في أميركا. وقد وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” سوق العقارات فيها بــ”السوق الفوضوية”، قائلة إنه أجبر الناس العاديين على التصرف مثل “المضاربين”. مارك زوكربيرغ ولورين سانشيز وجيف بيزوس وساندر بيتشاي وإيلون ماسك خلال حفل تنصيب ترمب (غيتي) كانت المدينة الكبرى الوحيدة المتنامية في أميركا التي شهدت تراجعاً في عدد السكان السود. والأكثر من ذلك أنها كانت لا تزال تتمتع بمكانتها بوصفها “عاصمة الموسيقى الحية في العالم”… ومع ذلك لم يكن بمقدور الموسيقيين العاملين فيها قادرين حتى على دفع تكاليف ركن سياراتهم في وسط المدينة لإنزال معداتهم، ناهيك عن العيش فيها. وفي النهاية، ومع دخول شركات التكنولوجيا الكبرى التي استفادت من مزايا ولاية تكساس حيث لا يدفع الأفراد ضريبة على الدخل، أصبحت أوستن نموذجاً مصغراً للنمو غير المنضبط. البنية التحتية والازدحام المروري والبيئة وسكانها القدامى تحملوا العبء الأكبر، وفقدت المدينة طابعها الفريد الذي كان يوماً سمة مميزة لها. لقد غيرت طفرة البناء الهائلة التي شهدتها أوستن من معالمها الطبيعية بشكل لا يمكن التعرف عليها وظهرت فجوة متزايدة بين الأغنياء والفقراء. فبينما تمكن الأثرياء من تحمل تكلفة العيش في المدينة، اضطر الآخرون الذين يعملون فيها ويسهمون في مجتمعها إلى الانتقال بعيداً منها بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم يتمكنوا من اعتبارها وطناً لهم. أثناء قيام بالأبحاث لكتابة كتابي، اكتشفت دراسة عن أوستن تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي أجراها أستاذ التخطيط الحضري دويل مايرز. وعندما تعمقت في البحث سرعان ما أدركت مدى أهميته وبعد نظره. فقد تحدى بحث مايرز المفاهيم التقليدية لجودة الحياة، إذ جادل بأنها لا تشمل فقط المقاييس الموضوعية مثل الدخل ومعدلات الجريمة، بل تشمل أيضاً التجارب الذاتية والتصورات المجتمعية مثل المشهد الموسيقي النابض بالحياة والأنهار البرك المائية التي أضفت على المدينة جاذبيتها الخاصة. شقق قيد الإنشاء في وسط مدينة أوستن (غيتي) خلال أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عملت أوستن بنشاط على الترويج لهذه الخصائص بالذات لجذب شركات التكنولوجيا الكبرى إلى المدينة. وكان وصول شركات الإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا الحاسوب في عام 1983 علامة فارقة في تطورها الاقتصادي، مما ساعد على تنويع اقتصادها الذي كان يعتمد بشكل كبير في السابق على جامعة تكساس والحكومة المحلية. لكن النمو التكنولوجي السريع في أوستن كان له ثمن: فقد أجبر ارتفاع قيمة العقارات والإيجارات بعض الأماكن الموسيقية على الإغلاق، بينما هدمت أماكن أخرى لإفساح المجال أمام مكاتب جديدة. وفي الواقع، حذرت دراسة مايرز من أن العوامل ذاتها التي تقود نجاح أوستن الاقتصادي تهدد بتقويض طابعها الفريد. كانت شركات التكنولوجيا الكبرى تشكل تهديداً لما سماه “الإوزة التي تبيض ذهباً”. تحققت توقعات مايرز جزئياً فقط في ذلك الوقت، حيث أدى الركود الاقتصادي في أواخر الثمانينيات إلى وقف النمو وجعل أوستن مدينة ميسورة التكلفة مرة أخرى. لكن بعد عقدين من الزمن، ومع ازدهار صناعة التكنولوجيا فيها من جديد، عادت المخاوف في شأن القدرة على تحمل التكاليف والتحولات الاجتماعية والثقافية وطمس هوية المدينة إلى الظهور. واليوم، أدى هذا النمو السريع إلى زيادة تكاليف المعيشة، وارتفاع قيمة العقارات، ودفع السكان القدامى إلى مغادرة منازلهم، تماماً مثلما حدث في سان فرانسيسكو. إن روح أوستن تختنق تحت وطأة التكرار والرتابة. فقد بدأت المناظر المتنوعة التي كانت تميز المدينة تتلاشى لتحل محلها ملامح معمارية مملة ومتكررة لا يمكن تمييزها عن عديد من المدن الأخرى في أميركا. نعم، أصبحت أوستن مدينة أكثر ازدهاراً، لكنها، في رأيي، أصبحت أقل حيوية بل وأكثر خطورة من بعض النواحي بسبب الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء. أعتقد أنه مع تزايد قوة ونفوذ ما أسميه “البرجوازية الجديدة”، فإن بقية أميركا معرضة لخطر السير على نفس النهج. بينما كنت أستعد لمغادرة أوستن، كان جو روجان، مقدم البودكاست الشهير، يستقر في قصر ضخم تبلغ قيمته 14.4 مليون دولار. وعلى حد تعبيره، فقد جاء الكوميدي والمعلق على فنون القتال المختلطة، وهو في منتصف العمر، إلى تكساس بحثاً عن “مزيد من الحرية”. وبحلول الوقت الذي وصل فيه، أصبح برنامج “تجربة جو روغان” أكثر برامج البودكاست استماعاً في الولايات المتحدة، مستضيفاً شخصيات مثيرة للجدل ومناقشاً موضوعات خلافية على حد سواء. وصف روغان صاحب نظريات المؤامرة أليكس جونز بأنه “أكثر شخص يساء فهمه على هذا الكوكب”، وانغمس في خطاباته اللاذعة ضد المتحولين جنسياً. هذه الروح نفسها جعلته مناسباً بشكل طبيعي لولاية تكساس، ولاية تتماشى مع عصر ترمب الجديد. لم يكن روغان عملاقاً في مجال التكنولوجيا، ولكن تأييده لترمب عشية الانتخابات، ورؤيته للأمور التي تبناها في برنامجه، أظهرا أنهما يتشاركان توجهات متشابهة. ولم يكن روغان الشخصية الوحيدة ذات الحضور الطاغي التي تعيد تشكيل ملامح أوستن. كان إيلون ماسك يدير شركة “سبيس إكس” عندما أعلن عن انتقال مقر شركة “تيسلا” إلى تكساس في عام 2021، وقد استغل شهرته ومكانته رائد أعمال عصري لإثارة الجدل. فعندما لم يكن يعبر عن آرائه المثيرة مثل وصفه للجائحة بأنها “سخيفة” أو ترويجه لعلاجات غير مثبتة لـ”كوفيد-19″، كان يدلي بتصريحات سياسية مثيرة، مثل دعوته لانضمام تايوان إلى الصين، أو اقتراحه خطط سلام لأوكرانيا بدت وكأنها تتماشى مع مصالح روسيا. ثم كان هناك تيم فيريس المعلم البارز في مجال تطوير الذات، الذي كان معروفاً بالفعل عند انتقاله إلى أوستن بكتابه الأكثر مبيعاً “أسبوع العمل 4 ساعات”. في هذا الكتاب، روج لفكرة الهروب من نظام العمل التقليدي (من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً)، والاستعانة بمصادر خارجية للعمالة من الدول النامية، وإمكانية أن يصبح الشخص “خبيراً” في أي مجال يختاره خلال بضعة أسابيع فقط. لاقى الكتاب صدى كبيراً بين مجتمع وادي السيليكون المهووس بالكفاءة، وبدا وكأنه مصمم خصيصاً لطبقة “التقنيين الجدد” التي بدأت تبرز في أوستن. أوستن القديمة، بسحرها الغريب، آخذة في الاختفاء (غيتي / آي ستوك) جو لونزديل قطب التكنولوجيا الملياردير وصل إلى عاصمة تكساس في نفس الوقت تقريباً، مرتدياً حذاء رعاة البقر ومصرحاً بحمله لسلاح مخفي. لونزديل شارك في تأسيس شركة “بالانتير” Palantir، التي تعرضت لانتقادات بسبب دورها في تطوير أدوات المراقبة المستخدمة من قبل الحكومات، بما في ذلك التعاون مع وكالة الهجرة والجمارك الأميركية في عمليات الترحيل. كما كان شريكاً لبيتر ثيل، إحدى الشخصيات القليلة البارزة في وادي السيليكون التي دعمت ترمب علناً خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016. والآن، أصبح لونزديل من سكان أوستن، وقد نقل شركته الاستثمارية إلى المدينة وكان مستعداً لإطلاق تجربة جديدة في التعليم العالي. مشروعه الذي كان ثمرة فكرة شاركها مع شخصين آخرين، هو “جامعة أوستن”، التي لا يجب الخلط بينها وبين “جامعة تكساس”. كانت الجامعة تهدف إلى أن تكون ملاذاً آمناً للأكاديميين الذين يدعون أنهم تعرضوا للإسكات بسبب “ثقافة الإلغاء”. تحولت أوستن إلى مغناطيس لهؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم “مغيري القواعد”، أو ما يمكن تسميتهم “المنقذين الجدد”. كانوا يعيدون تشكيل المدينة على صورتهم، أوستن القديمة، التي كانت تتميز بسحرها الغريب وأجوائها المريحة والتزامها بالاحتفاء بالمجتمع المتنوع الذي جعلها ما هي عليه، كانت تختفي تدريجياً. لم يعد التحول في أوستن مجرد قصة محلية، بل أصبحت قصة تحذيرية لبقية أميركا. وبينما يوسع عمالقة التقانة نطاق انتشارهم، مدفوعين بالرياح السياسية لعودة ترمب، يجدر بنا أن نتساءل: ماذا يحدث عندما تصبح كل مدينة إقطاعية تديرها الخوارزميات وصناديق التحوط والوعود الجوفاء بالحرية؟ عندما ترغم الأسعار الأشخاص الذين يعملون في وظائف عادية، المعلمين والممرضين والممرضات ورجال الإطفاء على مغادرة مجتمعاتهم، فإن المؤشرات تدل على أن المجتمع لا يقدرهم. وبينما يتجه ترمب إلى مليارديرات التكنولوجيا بحثاً عن الحلول والإجابات، فإنه يغفل عن أن هؤلاء قد يكونون أكبر مشكلاته. وقد تكون هذه هي المأساة الأميركية الكبرى. © The Independent المزيد عن: دونالد ترمبالشركات التكنولوجية العملاقةجيف بيزوسالفجوة الاجتماعيةإيلون ماسكساندر بيتشايمدينة أوستن الأميركيةالمليارديرات الأميركيونمارك زوكربيرغتيسلا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع مقدمة شاملة next post “ديب سيك” يسقط هيمنة وأساطير راجت خلال الأعوام الماضية You may also like يوسف بزي يكتب عن: إرث نبيه برّي 30 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: طموحات العهد الكبرى بعد... 30 يناير، 2025 مجيد رفيع زاده يكتب عن: مناورة إيران التكتيكية…... 30 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: هل من طريقة أخرى... 29 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: حصار الرئيسين.. “الثنائي” وخصومه... 29 يناير، 2025 فوزي ذبيان يكتب عن: شيعة الجمّيزة 29 يناير، 2025 سام كيلي يكتب عن: مقترح ترمب حول “تطهير”... 28 يناير، 2025 جون بولتون يكتب عن: رسالة إلى قادة الشرق... 28 يناير، 2025 فولكر بيرتيس يكتب عن: لا تدعوا التنافس الجيوسياسي... 28 يناير، 2025 وليد الحسيني يكتب عن: خطاب القسم…ومسيرة الألف سنة 27 يناير، 2025