ثقافة و فنون ألكسندر دوما يواكب “الملكة مارغو” في انتقالها من زحام التاريخ إلى محكمة الفن والأدب by admin 6 يوليو، 2023 written by admin 6 يوليو، 2023 32 ابنة آل مديتشي تمسك الخيوط المتناقضة للعبة تاريخية جديرة بـ”أمير” ماكيافيللي اندبندنت عربية \ \ إبراهيم العريس باحث وكاتب “مرغريت دي فالوا”، “مارغريت دي نافار”، “الملكة مارغو”، هن جميعاً المرأة نفسها. الملكة التي أتت من خارج فرنسا كالعادة لتشغل جزءاً من تاريخها وتكون، كما العادة أيضاً، جزءاً من ذلك التاريخ… وربما رغماً عنها. ولا شك أن هذه الملكة التي تدور حكايتها التاريخية قبل حكاية ماري أنطوانيت التي كثيراً ما يقرن اسمها بها، بزمن طويل، كانت موضوعاً ممتازاً لاستلهام الأدباء والفنانين حتى قبل أن تدخل السينما على الخط – وبخاصة في فيلم لباتريس شيرو قامت فيه إيزابيل آدجاني بالدور بروعة لا تنسى. ومن المعروف أن ألكسندر دوما كان أفضل الذين عالجوا حكاية مارغو أدبياً وهو الذي بدا شديد التعاطف معها على أية حال، مبرراً مواقفها التي كلفتها غالياً، بشكل جعل السينمائي والمسرحي شيرو يقتبس منه فيلمه الذي بدا بدوره شديد التعاطف مع تلك الشخصية التاريخية الاستثنائية. ومع ذلك تبقى الرواية التي كتبها دوما لتُنشر في عام 1845، واحدة من أفضل البورتريهات التي رُسمت لإحدى ملكات فرنسا، حتى ولو بفضل تلك الجملة الحوارية المدهشة، حين يقول شارل التاسع للملكة أن ثمة نقطة دم على يدها، فتجيبه مبتسمة: “ولم لا… طالما بقيت الابتسامة ماثلة على شفتيّ”. تاريخ ملكة لا أحد يدري بالطبع ما إذا كانت مرغريت دي لا فالوا قد قالت تلك العبارة “الرهيبة” حقاً، لكن التاريخ يروي لنا عنها حكايات أين منها الحكايات التي يرويها عن ماري أنطوانيت. وحتى لئن لم تكن هي، في رواية ألكسندر دوما على الأقل، البطلة المطلقة للرواية. إذ هنا لئن كانت البطولة موزعة على شخصيات عدة تلعب كل منها دوراً في التاريخ الحقيقي، لعل بإمكاننا أن نقول إن البطولة الحقيقية إنما هي معقودة لكاترين دي ميديتشي، الملكة الأم. أي والدة مارغريت التي كان لديها من الطموح ما عكسته على ابنتها، ومن الضلال ما حملت الابنة عبئه ودمرها في نهاية الأمر، ولم تكن نقطة الدماء على يدها سوى نقطة في بحره، لكنه دم لا شك أن كاترين هي المسؤولة الحقيقية عنه. أو هذا في الأقل ما توحي به الرواية مخففة من تصويرها ضلال الابنة، لمصلحة تفهّم للعواطف وللظروف التاريخية التي أحاطت بها وعرف الكاتب كيف يصورها تصويراً رائعاً بل واقعياً لعله هو ما جعل روايته “الملكة مارغو” واحدة من رواياته الكبرى الأقل شعبية في مساره الأدبي، في مقابل نظرة إليها ترى أنها الرواية التي دنا فيها بأفضل ما يكون من التحليل السيكولوجي للعواطف التي تحرك المرأة بصرف النظر عن كونها ملكة. فبالنسبة إلى دوما، المرأة إمرأة في نهاية المطاف وكونها ملكة لا يغير في الأمر شيئاً. ألكسندر دوما (1803 – 1870) عبقرية كاتب من خلال إمرأة استثنائية (غيتي) المذبحة منذ البداية يخبرنا دوما أن “مارغو” هو اسم التحبب الذي أطلقه شارل التاسع على شقيقته مرغريت دي فالوا. وينطلق الكاتب إثر ذلك في الحكاية التي تبدأ عشية عيد القديس سان بارتيليمي، حين تتزوج مارغو من هنري دي نافار الذي لم يكن قد صار بعد ملكاً لفرنسا باسم هنري الرابع. ولا يفوت دوما هنا أن يخبرنا أن مارغريت هذه كانت في زمانها المرأة الأكثر ثقافة واهتماماً بالأدب والفكر في فرنسا ذلك الحين. ومن هنا لن يكون من الغريب أن تنطلق مرغريت ومنذ المساء الذي شهد الاحتفالات الصاخبة بعرسها في قصر اللوفر، في سلسلة مؤامرات ولقاءات كان من شأنها أن تجعل أي مراقب يتساءل: أنحن في عرس أم أننا نعيش نوعاً من التمهيد لأحداث كبيرة؟ وكان من شأن المتسائل هنا أن يكون على حق، ودائماً بحسب رواية دوما. وذلك لأننا سرعان ما سنكتشف العلاقة الغامضة بين ما حدث في العرس، وما تلا ذلك من مذبحة عيد القديس بارتيليمي. والحال أن ذلك الاكتشاف لن يتأخر بل سيرصده الكاتب في ليلة العرس حيث بعد انتهاء الحفل الصاخب وانسحاب العروس إلى جناحها نراها تستقبل الدوق دي غيز ثم زوجها الذي سنفهم بسرعة أن الزواج به كان زواجاً سياسياً اتفق الطرفان فيه على التحالف وعيش كل واحد منهما حياته على هواه لخوض المعركة السياسية – الدينية المشتركة. ذلك الزمن كان في الحقيقة زمن الصراعات الدينية في فرنسا وغيرها. وكانت مرغريت متبعة خطى أمها ومشورتها، وتسعى لتكون لها بصمتها على مجرى تلك الحروب. وستكون المجزرة التي من الواضح أنها خططت لها – ودائماً بتأليب من أمها – مع الدوق دي غيز، نقطة انطلاق لوضع تلك البصمات. لم تنس أنها إمرأة غير أن ذلك لم يُنس مارغو أنها إمرأة وأن في وسعها أيضاً أن تعيش حياتها كامرأة على رغم نصائح أمها السلبية في هذا السياق. لقد كانت الملكة الشابة واثقة من أن في إمكانها أن تكون امرأة وملكة و”قائدة عسكرية” أيضاً مستغلةً في ذلك ما رصدته لدى هنري الرابع من تجاوب معها وتسليمه لها بحقها في أن تفعل ما تشاء شرط أن تبقى على ولائها السياسي له. وهي كانت عازمة على ذلك بالتأكيد. وهذا ما تؤكده رواية دوما على أي حال، حتى ولو أفردت مكاناً كبيراً للعلاقة الغرامية بين مرغريت والنبيل هياسنت دي لا مول، الذي بعدما خبأته جريحاً هارباً من مطارديه خلال المجزرة عشقته من دون أن تتمكن من إبعاد مطارديه عنه فإذا بهم يعتقلونه ويقررون إعدامه للتخلص منه. وهذا ما يجعل مرغريت مسؤولة عن رجلين، وتحاول في الوقت نفسه أن تنقذهما من المصير الذي ينتظرهما: زوجها هنري الذي تعرف بشأن المؤامرات التي تحاك للتخلص منه ومدركةً أن التخلص منه يعني بالتالي التخلص منها، من ناحية، ومن ناحية ثانية عشيقها الجديد دي لا مول الذي تبدو الآن مستعدة للدفاع عنه وحمايته حتى النهاية. فهل تراها ستكون قادرة على حماية رجلين في آنٍ معاً؟ وهل ستتمكن من ذلك ألاعيب أمها كاترين ابنة مدينة فلورنسا التي بُني جزء كبير من سمعتها على المؤامرات التي كانت تُحاك في قصورها وأوصل ماكيافيللي تلك السمعة إلى الذروة في كتاباته؟ عبقرية كاتب تلك هي الأسئلة الشائكة التي لا شك أن القارئ يجد نفسه يطرحها خلال الفصول الأخيرة من رواية يعرف هو سلفاً كيف ستتوالى الأحداث فيها. ففي النهاية، نحن هنا أمام رواية تتخذ من التاريخ المعروف موضوعاً لها وبالتالي لا شك أن من يقرأ هذه الرواية يعرف سلفاً مآلاتها. غير أن عبقرية ألكسندر دوما (1803 – 1870) عرفت كيف تتلاعب بقرائه وليس طبعاً من خلال جعلهم ينسون التفاصيل التاريخية ليفاجأون بتتابع الأحداث، بل من خلال ترك الأحداث الحقيقية جانباً، للتحول إلى مكنونات بطلتها. إذ هنا يغوص الكاتب في لعبته الماكرة والعميقة مستعرضاً انعكاس الأحداث على تلك المرأة التي تحاول أن تمسك العصا من منتصفها مشتغلةً على التوفيق بين العديد من الخطوط والمصالح بين أمها وزوجها، بين عشيقها ومصلحتها السياسية، بين ولائها المطلق للبلد الذي تحكمه والأخلاقيات التي انتقلت إليها عبر أمها سليلة عائلة ميديتشي الرهيبة. لقد صُنعت شخصية مارغو من ذلك كله وبالتالي بدلاً من أن تعيش مرتبكة وسط تناقضات كل تلك الظروف والأحداث التي تحيط بها، وها هي تسعى لإمساك كل الخيوط معاً. ولا يهم بعد ذلك أن تقول لنا الرواية ما إذا كانت “الملكة مارغو” قد نجحت في ذلك. فهذا نعرفه ولسنا في حاجة إلى تأكيدات تاريخية إضافية تخبرنا به. أما ما لا نعرفه، وربما لا يمت إلى التاريخ الحقيقي بصلة، فهو ما يضيفه ألكسندر دوما إلى التاريخ، وهو تحليله له وتفسيره السيكولوجي قبل فرويد بعقود طويلة طبعاً، لكيفية عمل ذلك التاريخ وتأثير تلك الظروف على امرأة يريد الآن، ككاتب كبير، أن يخرجها من التاريخ ليدخلها في قلب الأسطورة. وفي يقيننا أنه فعل ذلك حقاً جاعلاً من روايته هذه عملاً إبداعياً كبيراً وربما سابقاً لأوانه. المزيد عن: ألكسندر دوماالملكة مارغوالفن والثقافةآل ميديتشيهنري الرابعماكيافيلليفرنساالرواية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل تتحقق نبوءات المؤرخين بشأن الحضارة الغربية؟ next post هل قضت إسرائيل على مسلحي جنين أم أحيت المقاومة؟ You may also like محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024