Uncategorized ألبرتو مورافيا يقاتل الحرب من خلال مأساة امرأتين by admin 2 فبراير، 2021 written by admin 2 فبراير، 2021 43 “لاشيوشارا” أم إيطالية وابنتها في أدغال القتل والاغتصاب الحليف اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قد لا تكون نصوص الكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا، التي نقلت إلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة، كثيرة العدد مقارنة مع إنتاجه الأدبي الضخم، ولكن من المؤكد أن ما من مخرج سينمائي أو تلفزيوني أو حتى مسرحي جاد إلا وفكر يوماً في أن يحقق عملاً مقتبساً عن واحدة من الخمسين رواية وقصة التي كتبها مورافيا ونشرها طوال نصف قرن من العمل الكتابي الجاد والدؤوب ولكن المخادع أيضاً. لماذا المخادع؟ بالتحديد لأنه أدب يخفي خلف بساطته عمقاً لا يبدو واضحاً أول الأمر. أدب وجودي بسيط! من هنا لم يكن غريباً في الحقيقة أن يقول ناقد إنجليزي كبير عن أدب مورافيا يوماً، “إن مورافيا صاحب أدب وجودي عبثي، روعته أن وجوديته وعبثيته لا تظهران إلا للمنقبين بدقة”. وكان من الغريب أن المنقبين لم يكونوا كثراً، على عكس القراء الذين كانوا منتشرين في العالم ويقرأونه بلغته الإيطالية الجميلة، ولكن أيضاً مترجماً إلى عدد كبير من اللغات متوخين المتعة أكثر من الفهم. وهم لو توخوا التعمق كانوا سيجدون المتعة مضاعفة بالتأكيد. ولعل هذا سر نجاح عدد من مخرجي السينما الكبار في نقل أعماله الرئيسة إلى الشاشة. فمن برناردو برتولوتشي إلى جان لوك غودار مروراً بدي سيكا وداميانو دامياني وصولاً إلى دينو ريزي وكثر غيرهم، دائماً ما أحب السينمائيون الأكثر جدية والأشد رغبة في قراءة ما بين سطور رواياته، الذين تبقى أفلامهم المقتبسة عن رواياته بعض أفضل ما حققوا. فهو في نهاية الأمر عرف كيف يزاوج بين الشكل والموضوع، بل كيف يدنو من أكثر المواضيع خطورة بلغة تتيح تحقيق أفلام قد تكون شعبية، لكنها تبدو قادرة على طرح أعقد الإشكالات السياسية والإنسانية. وحسبنا للتيقن من هذا أن نستعيد فيلمين من كتابته حققهما برتولوتشي وغودار ولقيا ترحيباً هائلاً من الجمهور. بخاصة فيلم قد يبدو أقل ادعاء من الناحية الثقافية، لكنه أتى أكثر شعبية بكثير وأكثر استجابة للحرب التي لم يتوقف مورافيا عن خوضها طوال حياته، حربه ضد الحرب والعنف باعتبارهما بلهاً بشرياً لا مبرر له. أنسب الطرق لمجابهة الحرب وإذ نقول هذا، ترد إلى أذهاننا رواية “لاشيوشارا” التي عرفت سينمائياً وخارج إيطاليا بعنوان “امرأتان”. فهذه الرواية التي نشرت للمرة الأولى عام 1957 لتتحول إلى فيلم فور ذلك، من بطولة صوفيا لورين، أتت مستجيبة للطريقة التي رآها مورافيا الأنسب لمقارعة الحرب. كما فعل بالنسبة إلى النازية والكوارث على شاكلة قنبلة هيروشيما، أي مواجهة المشاكل الكبرى الناتجة عن “البله السياسي العام” من خلال التوقف عند مصائر الأفراد. ومن هنا بدت هذه الرواية أشد ضراوة في مقاتلة الحرب على صعيد فضحها أمام الرأي العام، من مجمل الأطروحات الأيديولوجية الكبرى. فالموضوع هنا بسيط، امرأتان في خضم الحرب العالمية الثانية وأهوالها، أم وابنتها. تعيشان أول الأمر في روما ولكن مع اقتراب القوات الألمانية تجمع الأم “تشيزيرا” جنى العمر وتصطحب ابنتها روزيتا إلى مسقط رأسها في منطقة لا شيوشارا البائسة لحماية الابنة، لكنهما بعد حين تلتقيان القوات الحليفة التي يقوم عدد من جنودها (المغاربة -الفرنسيين) باغتصاب الابنة روزيتا. ومن هنا تزداد الصعوبات على الأم بينما تبدأ الابنة تحت وقع الصدمة وانهيارها العصبي بالتحول إلى مومس، في انحراف للحرب الكبيرة بشكل غير متوقع على مصائر الناس الصغار. أي بالتناغم مع ما اهتم به مورافيا في أدبه وفي حياته. “لست نادماً” في هذا السياق ورداً على سؤال طرح عليه خلال الأعوام الأخيرة من حياته ومفاده، “هل أنت نادم لأنك لم تفعل بعض الأمور أو لم تخض بعض التجارب في حياتك؟”. أجاب مورافيا، “لا، أنا لست نادماً على شيء، وذلك بكل بساطة لأن كل حياة إنما تساوي أي حياة أخرى، وأيضاً لأن بإمكاننا أن نرى في نهاية المطاف أن كل الحيوات إنما هي حيوات مخففة. الحياة ليست سوى عدم كبير لا يمكننا أن نخرج منه إلا ببعض بقايا نظام غامضة وشديدة السرية”. ومع ذلك، حين سئل مورافيا عن الكيفية التي سيكون عليها عالم المستقبل، في رأيه، أجاب “أنا، في نهاية الأمر، متفائل. أعتقد أن الإنسانية بالكاد خرجت حديثاً من طفولتها. وهي اليوم، لذلك، تعيش مرحلة المراهقة. أما مستقبلها فما هو إلا مستقبل العلم والتطبيقات التكنولوجية التي لا يزال في وسعها أن تقلب العالم رأساً على عقب. ومع هذا، صحيح كذلك، أن المراهقة في الحياة هي مرحلة أزمة عميقة وأن عالمنا يمكنه أن يفنى حتى من قبل أن يصل إلى كامل شبابه”. 13 ترشيحاً فاشلاً لنوبل هذه الحيوية الجدلية وهذه البساطة في التعبير لم تطبع، فقط، ما كان البرتو مورافيا يصرح به في آخر أيامه، بل طبعت كذلك أدبه كله، ما جعل لأدبه شعبية لم تضاهها شعبية أي أديب أوروبي آخر في طول القرن العشرين وعرضه. وحتى لئن كانت شعبية أدب كاتب إيطاليا الكبير قد جعلت دهاقنة جائزة نوبل يغضون الطرف عنه دائماً، فرشح للجائزة ثلاث عشرة مرة ولم يفز بها أبداً! فإن الباحثين المعمقين في الأدب لم يفتهم أبداً أن يدركوا كم أن البساطة التي تطبع رواياته وقصصه كانت من النوع الخادع. إذ غالباً ما كانت الحياة بأعماقها تلوح ظاهرة من خلال أدب كان يبدو للوهلة الأولى بسيطاً، أو على الأقل، ميلودرامياً في ملامسته لمواضيعه. من هنا كان شعار باحثي أدب البرتو مورافيا على الدوام يتلخص في عبارة تقول، “لكنه، بعد كل شيء، ليس الكاتب الذي تعتقدون”. البرتو مورافيا الذي رحل من عالمنا عام 1990، ولد عام 1907 في روما، وعرف الشهرة باكراً وبشكل مفاجئ منذ روايته الكبيرة الأولى “اللامبالون” التي نشرها وهو في الثانية والعشرين من عمره، ولكنها لم تكن مع ذلك عمله الأول، إذ كان قد نشر قبلها مجموعة شعرية بعنوان “18 قصيدة” يقال كتبها حين كان في الثالثة عشرة من عمره. داءان مبكران: السل والفاشية يقول مورافيا عن صباه إنه انطبع بداءين أصاباه وهو بعد في أولى سنوات وعيه: داء السل العظمي الذي أصابه يافعاً واضطره للمكوث سنوات طويلة في مصحات التيرول عاجزاً عن الحركة، والفاشية التي بدأت تغزو إيطاليا منذ العشرينيات وتحاول أن تحطم لها روحها. ومن الواضح أن وعي مورافيا (وكان اسمه الحقيقي بينكرلي) قد اكتمل عبر رد فعله على ذينك الداءين، ما جعل كل أدبه التالي يُكتب كرد فعل على صدمهما للجسد والروح. والحال أن الشغل الشاغل لمورافيا طوال حياته الأدبية كان الرد على هاتين الصدمتين المبكرتين. أما النجاح الذي كان من نصيب “اللامبالين” فشجع مورافيا على الإمعان في الكتابة، فراح يصدر طوال سنوات الثلاثين والأربعين كتبه التالية بادئاً بـ”الطموحات الخائبة” و”تربيع الأقنعة” وصولاً إلى “الحياة الجميلة” (1935) وهو الكتاب الأول الذي عرف فيه مورافيا كيف يصور سقوط المجتمع المخملي في روما خير تصوير، فاستبق بذلك نظرة فلليني الثاقبة إلى المجتمع نفسه، مع ما في نظرتي الفنانين من لمسات سخرية ناقدة مشتركة. ليس من اليسير بالطبع إحصاء كل ما كتبه مورافيا، ولكن يمكن الإشارة إلى أبرز أعماله، ومنها ما نقلته السينما ومعظمه ترجم إلى شتى لغات العالم ومنها اللغة العربية بالطــبع، ومنها، “العصيان” و”الحب الزوجي” و”امرأة من روما” ثم بخاصة “اللاممتثل” التي نقلها برتولوتشي إلى فيلم سينمائي حمل الاسم نفسه ويعد من أجمل إنتاجات السينما الإيطالية، وإلى “امرأتان” التي أشرنا إليها هنا وحولها “دي سيكا” إلى فيلمه المتميز، كان هناك بالطبع، “حكايات رومانية” ثم “الاحتقار” التي كانت من أفضل أفلام جان – لوك غودار، و”السأم” وغيرها. إضافة إلى رواياته تمرس مورافيا في أدب الرحلات، وتدخل في القضايا السياسية وأمضى آخر سنوات حياته يناضل في سبيل البيئة وضد انتشار السلاح النووي، هو الذي غلب على شخصيات أدبه طابع اللامبالاة والحياد السلبي والرغبة المخبوءة في تدمير العالم وصياغة علاقات لا تستجيب للنظم الاجتماعية. المزيد عن: إيطالي/األبرتو مورافي/االأدب/السينم/اأدب الحرب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المزيج الصحراوي والأفريقاني ميز الأغنية السودانية ومنحها طابعا بيئيا next post قصص الواقعية الغرائبية في “غيمة يتدلى منها حبل سميك” You may also like «نيويورك تايمز»: ماسك وسفير إيران لدى الأمم المتحدة... 15 نوفمبر، 2024 نتنياهو ينسف الاتفاق المرتقب لوقف حرب لبنان 2 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: صناعة أسطورة جاكسون بولوك... 29 أكتوبر، 2024 العمليات الخارجية الإيرانية في أوروبا: العلاقة الإجرامية 23 أكتوبر، 2024 الذكاء الاصطناعي يذكر بما أحدثته الثورة الصناعية قبل... 21 أكتوبر، 2024 تقرير اندبندنت عربية / ميدان لبنان مشتعل وتل... 13 أكتوبر، 2024 عام من القتال غيّر خطاب “حماس” وتفكيرها السياسي 7 أكتوبر، 2024 ماذا تعني الكتابة في زمن الاضطراب الذاتي؟ 7 أكتوبر، 2024 هكذا خططت شبكة مقرها إيران لضرب هدف يهودي... 6 أكتوبر، 2024 فيلم “المادة”… الرعب الذي لم يحتمله الجمهور 4 أكتوبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.