ثقافة و فنونعربي أسامة الرحيمي يرصد تحولات القرية المصرية في 49 حكاية by admin 27 يناير، 2022 written by admin 27 يناير، 2022 37 تغلب عليها النزعة الرومانسية وتمزج بين الميلودراما والفكاهة اندبندنت عربية \ عبد الكريم الحجراوي تغلب النزعة الرومانسية على كثير من الكتابات الإبداعية العربية المعاصرة، سواء في الشعر أو القصة القصيرة أو الرواية أو المسرح، رومانسية في الإبداع بمفهومها القديم الذي نشأ في فرنسا أواخر القرن الثامن عشر، واجتاح العالم الغربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وهو ما يعد ملاحظة جديرة بالبحث عن أسبابها عربياً لمعرفة الظروف الحقيقية الدافعة لانتشارها، في قراءة تربط الأدب بعلوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وعلم النفس؛ للخروج بنتائج متأنية بعيدة عن الإجابات الجاهزة التي لا تقدم تصورات كاشفة لأسباب استمرار هذه النزعة الغالبة على الإبداع الأدبي العربي منذ نشأته وحتى الآن، ويبدو كأنه غير قادر على تجاوزها. تنتمي المجموعة القصصية لأسامة الرحمي “طباطيب العبر” (دار دريم بن- القاهرة) إلى المدرسة الرومانسية في أسلوب سردها، فهي تضم في أكثر من 500 صفحة، 49 نصاً، ترصد بطريقة بانورامية، شكل الحياة والمتغيرات التي حلَّت على القرية في دلتا مصر منذ ستينيات القرن المنصرم وحتى اللحظة الراهنة. ويقسمها إلى ثلاثة أقسام: الأول عن “ما جرى للقرية المصرية”، والثاني عن “حكايات طريفة لأهالي الريف”، والثالث عن شخصيات كانت مؤثرة في حياة المؤلف في قريته الواقعة في نطاق محافظة الدقهلية في شمال مصر. توثيق حكائي كتاب الحكايات الريفية (داردريم بن) توثق المجموعة بشكل واقعي حياة الريف المصري وناسه، كسيرة ذاتية تؤرخ حقبة من تاريخ مهمَّش في القرى البعيدة عن المركز، وتفاعلات أهلها التي لا تهتم بها كتب التاريخ الرسمية. وهذا ما يجعل وصف الرحيمي لها على الغلاف في العنوان الهامشي “حكايات أدبية من الدراكسة” أكثر دقة من وصفها بالقصص القصيرة. و”الدراكسة” هو اسم قرية الكاتب، وتقع قرب مدينة المنصورة. فهي حكايات واقعية لم ينشغل مؤلفها بأن يضيف إليها من خياله بقدر ما كان يشغله توثيق حياة عاشها خشية الضياع، وعملاً على المحافظة على ذاكرة جمعية وجذورها والتحولات التي مرت بها قرى مصر في الستين عاماً التي خلت. يكثر في السرد الحكائي للمجموعة البعد الميلودرامي في الأحداث، الذي يركز على ضحايا عاشوا حياة مأساوية واصطبغ موتهم بمأساوية مماثلة. بعضهم طحنهم الإقطاع ولم تنصفهم ثورة عام 1952، وهم “التمليَّة” الذين بذلوا أعمارهم في الخدمة في الأراضي الزراعية بالمجان. ولفرط قمعهم لم يطلبوا ما يسدون به رمقهم. أما أبناء هؤلاء، فقد ضحى الآباء بكثير في سبيل تعليمهم، إلا أنهم تنكروا لهم حين وصلوا إلى مناصب عليا. وهناك من كانوا ضحايا سلطة ثورة 1952، وبعضهم ضحايا المجتمع الذي لا يرحم المختلف والضعيف، وبعضهم جنى القدر عليهم. فمنهم من رفعته الحياة في أولها إلى عليين بفضل مواهبهم الفذة وتوقع لهم الجميع مستقبلاً باهراً، فكانت نهايتهم على أسوأ ما يكون: فقراء يتسولون لقمة العيش. الكاتب المصري أسامة الرحيمي (اندبندنت عربية) يظهر هذا البعد المأساوي للحكايات من إهداء الكاتب كتابه إلى الشخوص الذين كتب عنهم، قائلاً “ولأن حياة هؤلاء الأبطال ازدحمت بالضعف وقلة الحيلة فلم يجدوا من يرحمهم في زمانهم، ولا من يتذكرهم في زماننا، فوددتُ أن يكون كتابي ترتيلاً خاشعاً يخفف ما لاقوه من عنت، وإكباراً للعصاميين الفقراء الذين حرموا أنفسهم ثمار تعبهم وأطعموا أكبادهم ورحلوا”. الراديو وتجييش الشعب في الحكاية الأولى “راديو بلدنا على الدوَّار”، يقارن الرحيمي بين شكل القرية قبل 23 يوليو (تموز) 1952، وما بعده، وكيف استخدمت الدولة الراديو كأداة لتجييش الشعب حول الثورة ومبادئها وأهدافها، وكيف أسهم في تشكيل الوجدان الشعبي بما يبثه من آيات من القرآن الحكيم بأصوات “أساطين دولة التلاوة”، والأغاني التي يقدمها لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وفوازير بيرم التونسي، وحكايات “ألف ليلة وليلة” التي كتبها الشاعر طاهر أبو فاشا، وخطابات عبد الناصر. بالإضافة إلى سيارات الثقافة الجماهيرية التي كانت تطوف القرى لعرض الأفلام الدعائية وغيرها. وفي حكايته الثانية “قدر التمليَّة” كما في العديد من حكايات المجموعة يسلط الضوء على قسوة الإقطاع على الفلاحين، بادئاً القصة بوصف مشهدي يبرز حالة العوز التي يعانونها، والأعمال الشاقة التي كانوا يقومون بها بلا أجر في أراضي “الباشا”. ومن هذه الحكاية التي تعد مقدمة عامة لأحوال الفلاحين في عصر الإقطاع ينتقل إلى حكاية “أوجاع الشقاء والغُلْب”؛ ساردًا قصة “نعمت” في شكل ميلودرامي مؤثر. فقد عملت من دون كلل لأكثر من سبعة عقود متصلة بلا راحة، ولدت لأسرة فقيرة تعمل بالسخرة في الأراضي الزراعية، دميمة الخِلقة، توفي والدها وحملت على عاتقها إعالة أمها التي تعيقها بدانتها المفرطة عن الحركة. ويربط بين مأساتها وقصة بطلة “قتلا ضجراً” لمكسيم غوركي بشكل مشهدي. فيسرد مشهداً من حياة “نعمت” وما يشابهه من حياة بطلة غوركي. ولا يأتي التشابه فقط بين القصتين في الأحداث، وإنما كذلك على المستوى النفسي وهو إحساس المرأتين باللا شيئية على كل ما تبذلانه يومياً من جهود في خدمة الجميع. ويمتد التشابه إلى السياق الاجتماعي. تدور قصة غوركي في روسيا قبل الثورة البلشفية، وتدور قصة “نعمت” قبل ثورة “الضباط الأحرار”، وقد كانت تعمل في أشق أنواع العمل غير أن مأساتها استمرت حتى قيام الثورة. تستخدم الفأس مثل الرجال في “عزق” الأرض، وتطهير القنوات. وفي أوقات الحصاد يتنافس أصحاب الأراضي عليها لإخلاصها في العمل. تعمل في صمت وهِمّة وتنجز “طريحتها” قبل الآخرين حتى من الرجال. إلا أن كل ذلك لم يكن يبعد عنها القسوة حتى من المعدمين مثلها الذين يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، كلما رأوها ويعتبرونها فأل شؤم عليهم، ما جعلها تتحاشى رؤية الناس أو الحديث معهم. إلى أن أصيبت في آخر حياتها بمرض جلدي فتحاشاها الناس أكثر حتى لم يعد أحد يستعين بها في “الخدمة”، فماتت وحيدة في أحد شوارع القرية، “ولولا الملامة ما واروا جسدها الثرى لهوانها عليهم”. أيديولوجيا سياسية ولا يصعب رصد الأيديولوجيا السياسية التي تنطلق منها تلك الحكايات الموجعة، كاشفة عن روح ثورية لأصحابها، تشيد بإنجازات عبد الناصر الاجتماعية ومنها توزيعه الأراضي على الفلاحين، ومجانية التعليم وبناء المدارس والمستشفيات والمصانع. وتنقد الانفتاح الذي قام به السادات وتحمله نتائج الخراب الذي حدث في المجتمع المصري، وسار على نهجه خلفه مبارك. فالحكايات توضح التأثيرات الاجتماعية للقرارات التي قام بها الرؤساء الثلاثة في الناس بعيداً من العاصمة، وكيف حوَّلت حياتهم من سيئ إلى أسوأ. لذا وإن كانت المجموعة تبدأ بحكايات جرت في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، إلا أنها في آخرها توضح ما آل إليه الوضع الآن من متغيرات عادت بالسلب على مستوى معيشة الفقراء والمنتمين إلى الطبقة الوسطى، على حد سواء. لا يغيب عن قارئ نصوص “طباطيب العبر” النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، وذلك ما يظهر في كثير من الحكايات مثل “أصوات الليل”. ومن العبارات الدالة على ذلك قوله “ولم يعد يصلح لشيء غير أن يذكرني بأصوات ليل قريتنا. كم أفتقدها الآن، بقدر ما استأت منها بسذاجة آنذاك”. ويتجلى هذا الأمر في الحكايات المتعلقة بطقوس الخبز والعجين، وشهر رمضان، والعيد والأفراح في طفولة السارد وتطوافه بين الحقول بحثاً عن أشجار التوت لاعتلائها أو قذفها بالطوب لتسقط ثمارها في إطار “مغامرات الصبا”. الكتاب غني بالتفاصيل وبالقضايا التي يطرحها، ومن بينها السؤال الضمني: إلى أين يتجه المجتمع المصري؟ ويلفت إلى المواهب التي يمتلئ بها الريف ولكنها لا تجد العناية التي تصقلها، بل تواجه بالإهمال والمحاربة حتى تذوب وتنزوي إلى الأبد في نفوس أصحابها. عمل الكاتب أيضاً على كسر حدة أو قسوة الحياة التي يرصدها، بتخصيص فصل يورد فيه الحكايات الطريفة للأهالي البسطاء على الرغم مما يعانونه، سواء في زمن الإقطاع أو زمن الثورة ومن بعده هزيمة 1967، معللاً ذلك بطبيعة الشعب المصري الميَّالة إلى اقتناص البهجة حتى من ثنايا المأساة. المزيد عن: الريف المصري \ حكاياتا \ لصعيد \ قصص\ سرد \ شخصيات \ مواجهات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تداعيات هجوم “داعش” على سجن الحسكة… من يعوض الأضرار؟ next post عندما تتحول الأعمال الفنية في السوق إلى ملفات وكودات You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.